ما يخص بعض البياعات .
و أما الذي يخص بعض البياعات دون بعض فأنواع أيضا : .
منها : أن يكون الأجل معلوما في بيع فيه أجل فإن كان مجهولا لا يفسد البيع سواء كانت الجهالة متفاحشة كهبوب الريح و مطر السماء و قدوم فلان و موته و الميسرة و نحو ذلك أو متقاربة كالحصاد و الدياس و النيروز و المهرجان و قدوم الحاج و خروجهم و الجذاذ و الجزار و القطاف و الميلاد و صوم النصارى و فطرهم قبل دخولهم في صومهم و نحو ذلك لأن الأول فيه غرر الوجود و العدم .
و النوع الثاني : مما يتقدم و يتأخر فيؤدي إلى المنازعة فيوجب فساد البيع و لو باع العين بثمن دين إلى أجل مجهول جهالة متقاربة ثم أبطل المشتري الأجل قبل محله و قبل أن يفسخ العقد بينهما لأجل الفساد جاز العقد عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا يجوز و لو لم يبطل حتى حل الأجل و أخذ الناس في الحصاد ثم أبطل لا يجوز العقد بالإجماع .
و إن كانت الجهالة متفاحشة فأبطل المشتري الأجل قبل الافتراق و نقد الثمن جاز البيع عندنا و عند زفر لا يجوز و لو افترقا قبل الإبطال لا يجوز بالإجماع و على هذا إذا باع بشرط الخيار و لم يوقت للخيار وقتا معلوما بأن قال أبدا أو أياما أو لم يذكر الوقت حتى فسد البيع بالإجماع .
ثم إن صاحب الخيار أبطل خياره قبل مضي ثلاثة أيام قبل أن يفسخ العقد بينهما جاز البيع عندنا خلافا لزفر C و إن أبطل بعد مضي الأيام الثلاثة لا يجوز العقد عند أبي حنيفة C و زفر و عند أبي يوسف و محمد : يجوز و إن وقت وقتا معلوما بأن قال : أربعة أيام أو شهرا فأبطل الخيار قبل مضي ثلاثة أيام و قبل أن يفسخ العد بينهما لأجل الفساد جاز عندنا و عند زفر : لا يجوز و عندهما : هذا الخيار جائز و لو مضت الأيام الثلاثة ثم أبطل صاحب الخيار خياره لا يجوز البيع بالإجماع .
و على هذا لو عقدا عقد السلم بشرط الخيار حتى فسد السلم ثم إن صاحب الخيار أبطل خياره قبل الافتراق جاز السلم عندنا إذا كان رأس المال قائما في يده و لو افترقا قبل الإبطال ثم أبطل لا يجوز بالإجماع .
و على هذا إذا اشترى ثوبا برقمه و لم يعلم المشتري رقمه حتى فسد البيع ثم علم رقمه فإن علم قبل الافتراق و اختار البيع جاز البيع عندنا و عند زفر : لا يجوز و إن كان بعد الافتراق لا يجوز بالإجماع .
و الأصل عند زفر أن البيع إذا انعقد على الفساد لا يحتمل الجواز بعد ذلك برفع المفسد و الأصل عندنا أنه ينظر إلى الفساد فإن كان قويا بأن دخل في صلب العقد و هو البدل أو المبدل لا يحتمل الجواز برفع المفسد كما قال زفر إذا باع عبدا بألف درهم و رطل من خمر فحط الخمر عن المشتري و إن كان ضعيفا لم يدخل في صلب العقد بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد كما في البيع بشرط خيار لم يوقت أو وقت إلى وقت مجهول كالحصاد و الدياس أو لم يذكر الوقت و كما في بيع الدين بالدين إلى أجل مجهول على ما ذكرنا .
ثم اختلف مشايخنا في العبارة عن هذا العقد قال مشايخ العراق : أنه انعقد فاسدا لكن فسادا غير متقرر فإن أبطل الشرط قبل تقرره بأن لم يدخل وقت الحصاد أو اليوم الرابع ينقلب إلى الجواز و إن لم يبطل حتى دخل تقرر الفساد و هو قول بعض مشايخنا بما وراء النهر .
و قال مشايخ خراسان و بعض مشايخنا بما وراء النهر : العقد موقوف إن أسقط الشرط قبل وقت الحصاد و اليوم الرابع تبين أنه كان جائزا من الأصل و إن لم يسقط حتى دخل اليوم الرابع و أوان الحصاد تبين لأنه وقع فاسدا من حين وجوده .
و ذكر الحسن بن زياد C أنه قال : قال أبو حنيفة : لو أن رجلا اشترى عبدا على أن بالخيار أكثر من ثلاثة أيام فالبيع موقوف فإن قال المشتري قبل مضي الثلاث : أنا أبطل خياري و استوجب المبيع قبل أن يقول البائع شيئا كان له ذلك و تم البيع و عليه الثمن و لم يكن للبائع أن يبطل البيع و إن قال البائع : قد أبطلت البيع قبل أن يبطل المشتري خياره بطل البيع و لم يكن للمشتري أن يستوجبه بعد ذلك و أن يبطل خياره فقد نص على التوقف و فسره حيث جعل للبائع حق الفسخ قبل إجازة المشتري و هذا أمارة البيع الموقوف أن يكون لكل واحد من العاقدين حق الفسخ .
وجه قول زفر : أن هذا بيع انعقد بوصف الفساد من حين وجوده فلا يتصور أن ينقلب جائزا لما فيه من الاستحالة و لهذا لم ينقلب إلى الجواز إذا دخل اليوم الرابع أو وقت الحصاد و الدياس .
و لنا : طريقان أحدهما : أن هذا العقد موقوف للحال لا يوصف بالفساد و لا بالصحة لأن الشرط المذكور يحتمل أن يكون مفسدا حقيقة و يحتمل أن لا يكون فإذا سقط قبل دخول أوان الحصاد و اليوم الرابع تبين أنه ليس بمفسد لأته تبين انه ما شرط الأجل و الخيار إلا إلى هذا الوقت فتبين أن العقد وقع صحيحا مفيدا للملك بنفسه من حين وجوده كما لو أسقط الأجل الصحيح و الخيار الصحيح و هو خيار ثلاثة أيام بعد مضي يوم و إن لم يسقط حتى مضت الأيام الثلاثة و دخل الحصاد تبين أن الشرط كان إلى هذا الوقت و أنه شرط مفسد .
و الثاني : أن العقد في نفسه مشروع لا يحتمل الفساد على ما عرف و كذا أصل الأجل و الخيار لأنه ملائم للعقد و أنه يوصف العقد بالفساد للحال لا لعينه بل لمعنى له زائد عليه و على أصل الأجل و الخيار و هو الجهالة و زيادة الخيار على المدة المشروعة فإن سقط قبل دخول وقت الحصاد أو اليوم الرابع فقد أسقط المفسد قبل تقرره فزال الفساد فبقي العقد مشروعا كما كان من غير وصف الفساد و إذا دخل الوقت فقد تقرر المفسد فتقرر الفساد و الفساد بعد تقرره لا يحتمل الزوال .
و قوله : العقد ما وقع فاسدا من حين وجوده قلنا : على الطريق الأول ممنوع بل هو موقوف و على الطريق الثاني مسلم لكن لا لعينه بل لغيره و هو الشرط المجاور المفسد و قد اسقط المفسد قبل تقرره فزال الفساد الثابت لمعنى في غيره فبقي مشروعا و الله سبحانه و تعالى الموفق .
و لو باع بثمن حال ثم أخر إلى الآجال المتقاربة جاز التأخير و لو أخر إلى الآجال المتفاحشة لم يجز و الدين على حاله حال فرق بين التأجيل و التأخير لم يجوز التأجيل إلى هذه الآجال أصلا و جوز التأخير إلى المتقارب منها