حكم بيع الشاة المذبوحة .
أما الكلام مع الشافعي C فهو بنى مذهبه على أصل له ذكرناه غير مرة و هو أن حرمة بيع مأكول بجنسه هو العزيمة و الجواز عند التساوي في المعيار الشرعي رخصة و لا يعرف التساوي بين اللحم الخالص و بين اللحم الذي في الشاة فيبقى على أصل الحرمة و قد أبطلنا هذا الأصل في علة الربا .
و أما الكلام مع أصحابنا فوجه قول محمد C أن تجويز المجازفة ههنا احتمال الربا فوجب التحرز عنه ما أمكن و أمكن بمراعاة طريق الاعتبار فلزم مراعاته قياسا على بيع الدهن بالسمسم و الدليل على أن فيه الربا أن اللحم موزون فيحتمل أن يكون اللحم المنزوع أقل من اللحم الذي في الشاة وزنا فيكون شيء من اللحم مع السقط زيادة و يحتمل أن يكون مثله في الوزن فيكون السقط زيادة فوجب مراعاة طريق الاعتبار تحرزا عن الربا عند الإمكان و لهذا لم يجز بيع الدهن بالسمسم و الزيت بالزيتون إلا على طريق الاعتبار كذا هذا .
و لهذا قلنا : إن هذا بيع الموزون بما ليس بموزون يدا بيد فيجوز مجازفة و مفاضلة استدلالا ببيع الحديد الغير المصنوع بالنصال مجازفة و مفاضلة يدا بيد و دلالة الوصف أن اللحم المنزوع و إن كان موزونا فاللحم الذي في الشاة ليس بموزون لأن الموزون ماله طريق إلى معرفة مقدار ثقله و لا طريق إلى معرفة ثقل اللحم الذي في الشاة لأن الطريق إما أن يكون الوزن بالقبان و إما أن يكون الاستدلال بالتجربة .
و أما أن يكون بالحزر و التخمين من غير تفاوت فاحش و شيء من ذلك لا يصلح طريقا لمعرفة مقدار اللحم الذي في الشاة .
أما الوزن بالقبان فلأن الشاة لا توزن بالقبان عرفا و لا عادة و لو صلح الوزن طريقا لوزن لأن إمكان الوزن ثابت و الحاجة إلى معرفة مقدار اللحم الذي فيها ماسة حتى يتعرف المشتري ذلك بالجس و المس باليد و الرفع من الأرض و نحو ذلك و لأن الحي يثقل بنفسه مرة و يخف أخرى فيختلف وزنه فدل أن الوزن لا يصلح طريق المعرفة .
و أما التجربة فإن ذلك بالذبح و وزن المذبوح ليعرف اللحم الذي كان فيها عند العقد بطريق الظهور لا يمكن لأن الشاة تحتمل الزيادة و النقصان و السمن و الهزل ساعة فساعة فلا يعرف به مقدار ثقله حالة العقد بالتجربة .
و أما الحزر و الظن فإنه لا حزر لمن لا بصارة له في هذا الباب بل يخطىء لا محالة و من له بصارة يغلط أيضا ظاهرا و غالبا و يظهر تفاوت فاحش فدل أنه لا طريق لمعرفة اللحم الذي في الشاة الحية فلم يكن موزونا فلا يكون محلا لربا الفضل بخلاف بيع دهن السمسم بالسمسم لأن ذلك بيع الموزون بالموزون لأنه يمكن معرفة مقدار الدهن في السمسم بالتجربة بأن يوزن قدر من السمسم فيستخرج دهنه فيظهر وزن دهنه الذي في الجملة بالقياس عليه أو يعصر الجملة فيظهر قدر الدهن الذي كان حالة العقد أو يعرف بالحزر و التخمين أنه كم يخرج من الدهن م هذا القدر من غير تفاوت فاحش يلحق الضرر بأحد العاقدين فكان ذلك بيع الموزون بالموزون مجازفة فلم يجز لاحتمال الربا و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و لو باع شاة مذبوحة غير مسلوخة بلحم شاة لا يجوز إلا على طريق الاعتبار بالإجماع لأن اللحم الذي في الشاة المذبوحة موزون فقد باع الموزون بجنسه و بخلاف جنسه فيراعى فيه طريق الاعتبار بخلاف اللحم الذي في الشاة الحية فإنه غير موزون لما قلنا فلم يتحقق الربا فجازت المجازفة فيه .
و لو باع شاة حية بشاة مذبوحة غير مسلوخة مجازفة جاز بالإجماع .
أما عندهما : فظاهر لأنه باع الموزون بما ليس بموزون فلا يتحقق الربا كما لو باع شاة حية بلحم الشاة .
و أما عند محمد : فلأن اللحم يقابل اللحم و زيادة اللحم في إحداهما مع سقطها يكون بمقابلة سقط الأخرى فلا يتحقق الربا .
و كذلك لو باع شاتين حيتين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة جاز بالإجماع على اختلاف الأصلين .
و لو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة يجوز و يكون اللحم بمقابلة اللحم و زيادة اللحم في أحد الجانبين مع السقط يكون بمقابلة سقط الأخرى .
و لو باع شاتين مذبوحتين مسلوختين بشاة مذبوحة غير مسلوخة يجوز و يقابل اللحم باللحم و مقابلة اللحم من المسلوختين بمقابلة سقط الأخرى .
و لو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة مذبوحة مسلوخة لا يجوز لأن زيادة اللحم من غير المسلوختين مع السقط لا يقابله عوض فيكون ربا و لو باع شاتين مسلوختين بشاة مسلوخة لا يجوز لأنهما مالان جمعهما الوزن فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مفاضلة و مجازفة حتى لو كانا مستويين في الوزن يجوز يدا بيد .
و لا يجوز بيع الزيت بالزيتون و دهن الكتان بالكتان و العصير بالعنب و السمن بلبن فيه سمن و الصوف بشاة على ظهرها صوف و اللبن بحيوان في ضرعه لبن من جنسه و التمر بأرض و نخل عليه تمر و الحنطة بأرض فيها زرع قد أدرك و نحو ذلك من أموال الربا حتى يكون المفرد أكثر من المجموع ليكون المثل بالمثل و الزيادة بمقابلة خلاف الجنس و سنذكر أجناس هذه المسائل في مواضعها إن شاء الله تعالى .
هذا إذا قوبل بدل من جنس ببدل من جنسه أو ببدلين من جنسه أو من خلاف جنسه فأما إذا قوبل أبدال من جنسين مختلفين بأبدال من جنسين مختلفين فإن كان من عير أموال الربا فلا شك أنه يجوز .
و تقسم الأبدال من أحد الجانبين بالإبدال من الجانب الآخر قسمة توزيع و إشاعة من حيث التقويم و إن كان من أموال الربا فيجوز أيضا عند أصحابنا الثلاثة و يصرف الجنس إلى خلاف الجنس فيقسم قسمة تصحيح لا قسمة إشاعة و توزيع و عند زفر و الشافعي : لا يجوز و يقسم قسمة توزيع و إشاعة من حيث القيمة كما في غير أموال الربا .
و بيان ذلك في مسائل : إذا باع كر حنطة و كر شعير بكري حنطة و كري شعير جاز عند علمائنا الثلاثة و تصرف الحنطة إلى الشعير و الشعير إلى الحنطة و عندهما : لا يجوز و كذلك إذا باع درهما و دينارا بدرهمين و دينارين و يصرف الدرهم إلى الدينارين و الدينار إلى الدرهمين .
وجه قول زفر و الشافعي : أن هذا بيع ربا فلا يجوز كبيع الدرهم بالدرهمين و الدينار بالدينارين و دلالة الوصف أنه قابل الجملة بالجملة مطلقا و مطلق مقابلة الجملة بالجملة يقتضي انقسام كل بدل من أحد الجانبين بجميع الأبدال من الجانب الآخر على سبيل الشيوع من حيث القيمة إذا كانت الأبدال مختلفة القيم استدلالا بسائر البياعات في غير أموال الربا فإنه إذا باع عبدا و جارية بفرس و ثوب و قيمتهما مختلفة يقسم العبد على قيمة الفرس والثوب .
و كذا الجارية حتى لو وجد بواحد من الجملة عيبا يرده بحصته من البدلين و كذا لو استحق واحد منهما يرده بحصته من البدلين على البائع و كذا لو كان أحد البدلين دارا فالشفيع بأخذها بحصتها من البدلين فكان التقسيم على الوجه الذي قلنا هو الموجب الأصلي في البياعات كلها و الانقسام على هذا الوجه في أموال الربا يحقق الربا لأنه يصير بائعا كر حنطة و كري شعير بكري شعير و بكر حنطة فيتحقق الربا على أنه إن لم يتحقق الربا ففيه احتمال الربا و أنه مفسد للعقد كبيع الصبرة بالصبرة مجازفة .
و لنا : عمومات البيع من غير فصل فمن ادعى التخصيص فعليه الدليل و لأن المتعاقدين أطلقا مقابلة الجملة بالجملة و المطلق يتعرض للذات لا للصفات و الجهات فلا يكون مقابلة الجنس بالجنس عينا و لا مقابلة الجنس بخلاف الجنس عينا فلا يتحقق الربا لأنه اسم لفضل مال في مقابلة الجنس بالجنس عينا و لم يوجد أو نقول مطلق المقابلة تحتمل مقابلة الجنس بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمة كما قلتم و تحتمل مقابلة الجنس بخلاف الجنس لأن كل ذلك مقابلة الجملة بالجملة إلا أنا لو حملناه على الأول يفسد العقد و لو حملناه على الثاني لصح فالحمل على ما فيه الصحة أولى .
و قوله : موجب البيع المطلق المشتمل على أبدال من الجانبين انقسام كل بدل من أحد الجانبين على جميع الأبدال من الجانب الآخر على الشيوع من حيث التقويم قلنا : ممنوع لأن هذا موجب العقد المطلق في موضع في مسائل البياعات في غير أموال الربا ما ثبت الانقسام موجبا له بل بحكم المعاوضة و المساواة في الأبدال لأنهما لما أطلقا البيع و هو يشتمل على أبدال من الجانبين من غير تعيين مقابلة البعض بالبعض و ليس البعض بأولى من البعض في التعيين فلزم القول بالإشاعة و التقسيم من حيث القيمة حكما للمعاوضة و المساواة و عند تحقق الضرورة و هي ضرورة الرد بالعيب بالإشاعة و الرجوع عند الاستحقاق و نحو ذلك فلا يثبت الانقسام عند القيمة قبل تحقق الضرورة على ما عرف .
و قوله : فيه احتمال الربا قلنا : احتمال الربا ههنا يوجب فساد العقد عند مقابلة الجنس بالجنس عينا كما في بيع الصبرة بالصبرة لا على الإطلاق لأن عند مقابلة الجنس بالجنس يلزم رعاية المماثلة المشروطة و لم توجد ههنا فلا توجب الفساد و على هذا إذا باع دينارا و درهمين بدرهمين و دينارين أنه يجوز عندنا و يكون الدينار بالدرهمين و الدرهمان بالدينارين .
و كذا إذا باع درهمين و دينارا بدينارين و درهم يجوز عندنا بأن يجعل الدرهمان بالدينارين و الدينار بالدرهم و كذا إذا باع عشرة دراهم بخمسة دراهم و دينار أنه جائز عندنا و تكون الخمسة بمقابلة الخمسة و الخمسة الأخرى بمقابلة الدينار و كذلك إذا باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم و دينار جاز عندنا و كانت العشرة بمثلها و دينار بدرهم .
و كذلك قال أبو حنيفة عليه الرحمة : أنه إذا باع مائة درهم و دينار بألف درهم يجوز و لا بأس به و تكون المائة بمقابلة المائة و التسعمائة بمقابلة الدينار فلا يتحقق الربا .
و كذا روي عن محمد أنه قال : إذا باع الدرهم بالدراهم و في أحدهما فضل من حيث الوزن و في الجانب الذي لا فضل فيه فلوس فهو جائز في الحكم و لكني أكرهه فقيل : كيف تجده في قلبك قال : أجده مثل الجبل .
و الحاصل أنه ينظر إلى ما يقابل الزيادة من حيث الوزن من خلاف الجنس إن بلغت قيمته قيمة الزيادة أو كانت أقل منها مما يتغابن الناس فيه عادة جاز البيع من غير كراهة و إن كانت شيئا قليل القيمة كفلس و جوزة و نحو ذلك يجوز مع الكراهة و إن كان شيئا لا قيمة له أصلا ككف من تراب و نحوه لا يجوز البيع أصلا لأن الزيادة لا يقابلها عوض فيتحقق الربا