بيع الموزون بجنسه و غير جنسه .
و على هذا يخرج بيع الموزون بجنسه و غير جنسه كما إذا اشترى فضة مع غيرها بفضة مفردة بأن اشترى سيفا محلى بفضة مفردة أو منطقة مفضضة أو جارية في عنقها طوق من فضة أو اشترى ذهبا و غيره بذهب مفرد كما إذا اشترى ثوبا منسوجا بالذهب بذهب مفرد أو جارية مع حليتها و حليها ذهب بذهب مفرد و نحو ذلك أنه لا يجوز مجازفة عندنا بل يراعى فيه طريق الاعتبار و هو أن يكون وزن الفضة المفردة أو الذهب المفرد أكثر من المجموع مع غيره ليكون قدر وزن المفرد بمثله من المجموع و الزيادة بخلاف جنسه فلا يتحقق الربا فإن كان وزن المفرد أقل من وزن المجموع لم يجز لأن زيادة وزن المجموع مع خلاف الجنس لا يقابله عوض في عقد البيع فيكون ربا .
و كذلك إذا كان مثله في الوزن لأنه يكون الفضة بمثلها و الذهب بمثله فالفضل يكون ربا و إن كان من خلاف جنسه و كذلك إذا كان لا يعلم وزنه أنه أكثر أو مثله أو أقل أو اختلف أهل النظر فيه .
فقال بعضهم : الثمن أكثر .
و قال بعضهم : هو بمثله لا يجوز عندنا و عند زفر يجوز .
وجه قوله : أن الأصل في البيع جوازه و الفساد بعارض الربا و في وجوده شك فلا يثبت الفساد بالشك لأن جهة الفساد في هذا العقد أكثر من جهة الجواز لأن وزن المفرد لو كان أقل يفسد و كذلك لو كان مثله و لو كان أكثر يجوز فجاز من وجه و فسد من وجهين فكانت الغلبة لجهة الفساد و الحكم للغالب ثم إذا كان وزن المفرد أكثر حتى جاز البيع فيجتمع في هذا العقد صرف و هو بيع الفضة بالفض أو الذهب بالذهب و بيع مطلق و هو بيع الذهب أو الفضة بخلاف جنسها فيراعى في الصرف شرائطه و سنذكر شرائط الصرف في موضعه إن شاء الله تعالى .
و إذا فات شيء من الشرائط حتى فسد الصرف هل يتعدى الفساد إلى البيع المطلق فيه تفصيل نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
هذا إذا اشترى فضة مع غيرها بفضة مفردة أو ذهبا مع غيره بذهب مفرد فأما إذا اشترى ذهبا مع غيره بفضة مفردة أو فضة مع غيرها بذهب مفرد فالبيع جائز لأنه لا ربا عند اختلاف الجنس غير أنه يقسم المفرد على قيمة المجموع و قيمة ذلك الغير فما كان بمقابلة الذهب أو الفضة يكون صرفا فيراعى فيه شرائط الصرف و ما كان بمقابلة غيره يكون بيعا مطلقا على ما نذكره في بيان شرائط الصرف .
و على هذا الأصل يخرج بيع تراب معدن الفضة و الذهب أما تراب معدن الفضة فلا يخلو إما أن يكون باعه بفضة و إما أن يكون باعه بغيرها فإن باعه بفضة لم يجز لأن البيع يقع على ما في التراب من الفضة لا على التراب لأنه لا قيمة له و المماثلة بين الفضتين ليست بمعلومة فكان هذا البيع بيع الفضة بالفضة مجازفة فلا يجوز و إن باعه بذهب جاز لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس و يراعى فيه شرائط الصرف ثم ينظر إن لم يخلص منه شيء تبين أن البيع كان فاسدا لأنه تبين أنه باع ما ليس بمال فصار كما لو اشترى شخصا على أنه عبد ثم تبين أنه حر أو اشترى شاة مسلوخة على أنها مذبوحة ثم تبين أنها ميتة فإن خلص منه شيء فالأمر ماض و المشتري بالخيار لأنه اشترى شيئا لم يره فأشبه ما لو اشترى ثوبا في سقط أو سمكة في جب .
و لو باعه بعوض جاز أيضا لما قلنا ثم ثم ينظر إن خلص منه شيء أو لم يخلص على ما ذكرنا و لو باعه بتراب معدن مثله من الفضة لم يجز لأن البيع يقع على ما فيها من الفضة و لا يعلم تساويهما في الوزن فكان بيع الفضة بالفضة مجازفة و لو باعه بتراب معدن الذهب جاز لاختلاف الجنس و يراعى فيه شرائط الصرف ثم إن لم يخلص منه شيء تبين أن البيع كان فاسدا لأنه تبين أن باع ما ليس بمال .
و كذا إن خلص من أحدهما و لم يخلص من الآخر لأنه تبين أنه باع المال بما ليس بمال و إن خلص من كل واحد منهما فالأمر ماض و لهما خيار الرؤية لأن كل واحد منهما مشتر ما لم يره و كذلك لو كان تراب معدن الفضة بين رجلين فاقتسماه لم يجز لأن القسمة فيها معنى البيع فلا يحتمل المجازفة كالبيع .
و لو باع منه قفيزا بغير عينه بذهب أو بعرض لم يجز لأن المبيع ما في التراب من الفضة و أنه مجهول القدر لأنه متفاوت منه قفيز يخلص منه خمسة و منه قفيز يخلص منه عشرة فكان المبيع مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة بخلاف بيع القفيز من صبرة لأن قفزان الصبرة الواحدة متماثلة فلم يكن المبيع مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة .
و لو باع نصف جملة التراب أو ثلثها أو ربعها شائعا بذهب أو عرض جاز لأن الجنس مختلف فلا يتحقق الربا إلا إذا لم يخلص منه شيء فتبين أن البيع كان فاسدا لما قلنا .
و إن خلص منه شيء فيكون ما خلص مشتركا بينها و له الخيار إذا رآه و لو استقرض تراب المعدن جاز و على المستقرض مثل ما خلص منه و قبض لأن القرض وقع على ما يخلص منه و القول قول القابض في قدر ما قبض و خلص و لو استأجره بنصف هذا التراب أو بثلثه أو بربعه يجوز إن خلص منه شيء كما يجوز لو بيع منه شيء فتبين أن البيع كان فاسدا لما قلنا و إن خلص منه شيء فيكون أجره مما خلص .
و لو استأجر أجيرا بتراب المعدن بعينه جازت الإجارة إن خلص منه شيء لأنه استأجره بمال و الأجير بالخيار لأنه آجر نفسه بما لم يره فإن شاء رضي به و لا شيء له غيره و إن شاء رده و رجع على المستأجر بأجر مثله بالغا ما بلغ .
و لو استأجر بقفيز من تراب بغير عينه لا تجوز الإجارة لأن الأجرة ما في التراب من الفضة و أنه مجهول القدر و لهذا لم يجز بيعه و يكون بينهما و له الخيار و إن لم يخلص لا يجوز و له أجر مثله و على هذا حكم تراب معدن الذهب في جميع ما ذكرنا و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و اما تراب الصاغة فإن كان فيه فضة خالصة فحكمه حكم تراب معدن الفضة و إن كان فيه ذهب خالص فحكمه حكم تراب معدن الذهب و إن كان فيه ذهب و فضة فإن اشتراه بذهب أو فضة لم لم يجز لاحتمال أن يكون ما فيه من الذهب أو الفضة أكثر أو أقل أو مثله فيتحقق الربا .
و لو اشتراه بذهب و فضة جاز لأنه اشترى دهبا و فضة بذهب و فضة فيجوز و يصرف الجنس إلى خلاف الجنس و يراعى فيه شرائط الصرف و لو اشتراه بعرض جاز لانعدام احتمال الربا و هذا كله إذا خلص منه شيء فإن لم يخلص تبين أن البيع كان فاسدا .
و على هذا الأصل يخرج بيع الدراهم المغشوشة التي الغش فيها هو الغالب بفضة خالصة أنه لا يجوز إلا على طريق الاعتبار و جملة الكلام فيه أن الدراهم المضروبة أقسام ثلاثة : أما أن تكون الفضة فيها هي الغالبة و أما أن يكون الغش فيها هو الغالب و إما أن يكون الفضة و الغش فيها على السواء فإن كانت الفضة فيها هي الغالبة بأن كان ثلثاها فضة و ثلثها صفرا أو كانت ثلاثة أرباعها فضة و ربعها صفرا و نحو ذلك فحكمها حكم الفضة الخالصة لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة إلا سواء سواء .
و كذا بيع بعضها ببعض لا يجوز إلا مثلا بمثل لأن اعتبار الغالب و إلحاق المغلوب بالعدم هو الأصل في أحكام الشرع و لأن الدراهم الجياد لا تخلو عن قليل غش لأن الفضة لا تنطبع بدونه على ما قيل فكان قليل الغش مما لا يمكن التحرز عنه فكانت العبرة للغلبة و إن كان الغش فيها هو الغالب فإن كانت الفضة لا تخلص بالذوب و السبك بل تحترق و يبقى النحاس فحكمها حكم النحاس الخالص لأن الفضة فيها إذا كانت مستهلكة كانت ملحقة بالعدم فيعتبر كله نحاسا لا يباع بالنحاس إلا سواء بسواء يدا بيد .
و إن كانت تخلص من النحاس و لا تحترق و يبقى النحاس على حاله أيضا فإنه يعتبر فيه كل واحد منهما على حاله و لا يجعل أحدهما تبعا للآخر كأنهما منفصلان ممتازان أحدهما عن صاحبه لأنه إذا أمكن تخليص أحدهما من صاحبه على وجه يبقى كل واحد منهما بعد الذوب و السبك لم يكن أحدهما مستهلكا فلا يجوز بيعها بفضة خالصة إلا على طريق الاعتبار و هو أن تكون الفضة الخالصة أكثر من الفضة المخلوطة يصرف إلى الفضة المخلوطة مثلها من الفضة الخالصة و الزيادة إلى الغش كما لو باع فضة و صفرا ممتازين بفضة خالصة فإن كانت الفضة الخالصة أقل من المخلوطة لم يجز لأن زيادة الفضة المخلوطة مع الصفر يكون فضلا خاليا من العوض في عقد المعاوضة فيكون ربا .
و كذا إذا كانت مثلها لأن الصفر يكون فضلا لا يقابله عوض و كذا إذا كان لا يدري قدر الفضتين أيهما أكثر أو هما سواء لا يجوز عندنا و عند زفر يجوز و قد ذكرنا الحجج فيما قبل .
وذكر في الجامع إذا كانت الدراهم ثلثاها صفرا و ثلثها فضة و لا يقدر أن يخلص الفضة من الصفر و لا يدري إذا خلصت أيبقى الصفر أم يحترق أنه يراعي في بيع هذه الدراهم بفضة خالصة طريق الاعتبار ثم إذا كانت الفضة الخالصة أكثر حتى جاز البيع يكون هذا صرفا و بيعا مطلقا فيراعى في الصرف شرائطه و إذا فسد بفوات شرط منه يفسد البيع في الصفر لأنه لا يمكن تمييزه إلا بضرر و بيع ما لا يمكن تمييزه عن غيره إلا بضرر فاسد على ما ذكرنا .
و لو بيعت هذه الدراهم بذهب جاز لأن المانع هو الربا و اختلاف الجنس يمنع تحقق الربا لكن يراعى فيه شرائط الصرف لأنه صرف و إذا فات شرط منه حتى فسد يفسد البيع في الصفر أيضا لما قلنا .
و لو بيعت بجنسها من الدراهم المغشوشة جاز متساويا و متفاضلا نص عليه محمد في الجامع و يصرف الجنس إلى خلاف الجنس كما لو باع فضة منفصلة و صفرا منفصلا بفضة و صفر منفصلين