حكم الدراهم المغشوشة .
و هل يجوز استقراض الدراهم المغشوشة عددا ؟ .
أما النوع الأول : و هو ما كانت فضته غالبة على غشه فلا يجوز استقراضه إلا وزنا لأن الغش إذا كان مغلوبا فيه كان بمنزلة الدراهم الزائفة و لا يجوز بيع الدراهم الزائفة بعضها ببعض عددا لأنها وزنية فلم يعتبر العدد فيها فكان بيع بعضها ببعض مجازفة فلم يجز فلا يجوز استقراضها أيضا لأنها مبادلة حقيقية أو فيها شبه المبادلة فيجب صيانتها عن الربا و عن شبهة الربا و لهذا لم يجز استقراض الكيلي وزنا لما أن الوزن في الكيلي غير معتبر فكان إقراضه مبادلة الشيء بمثله مجازفة أو شبهة المبادلة فلم يجز كذا هذا .
و كذلك النوع الثالث : و هو ما إذا كان نصفه فضة و نصفه صفرا لأن الغلبة إذا كانت الفضة على اعتبار بقائها و ذهاب الصفر في المآل على ما يقوله أهل الصنعة كان ملحقا بالدراهم الزيوف فلا يجوز استقراضه عددا و إن كان لا يغلب أحدهما على الآخر و يبقيان بعد السبك على حالهما كان كل واحد منهما أصلا بنفسه فيعتبر كل واحد منهما على حياله فكان استقراض الفضة و الصفر جملة عددا و هذا لا يجوز لأن اعتبار الصفر إن كان يوجب الجواز لأن الفلس عددي فاعتبار الفضة يمنع الجواز لأن الفضة وزنية فالحكم بالفساد عند تعارض جهتي الجواز و الفساد أحوط .
و أما النوع الثاني : ما كان الغش فيه غالبا و الفضة مغلوبة فإنه ينظر إن كان الناس يتعاملون به وزنا لا عددا لا يجوز استقراضه عددا .
لأن العدد في الموزون باطل فكان استقراضه مبادلة الموزون بجنسه مجازفة أو شبهة المبادلة و أنه لا يجوز و إن كانوا يتعاملون به عددا يجوز استقراضه عددا لأنهم إذا تعاملوا به عددا فقد ألحقوه بالفلوس و جعلوا الفضة التي فيه تبعا للصفر و أنه ممكن لأنها قليلة و قد يكون في الفلوس في الجملة قليل فضة فثبتت التبعية بدلالة التعامل و مثل هذه الدلالة لم توجد فيما إذا تعاملوا بها وزنا لا عددا فبقيت وزنيه فلا يجوز استقراضه عددا و إن تعامل الناس بها عددا لأن هناك لا يمكن جعل الفضة تبعا للغش لأنها أكثر منه أو مثله و الكثير لا يكون تبعا للقليل و مثل هذا الشيء لا يكون تبعا أيضا فبقيت على الصفة الأصلية الثابتة لها شرعا و هي كونها وزنية فلا يجوز استقراضها مجازفة كما لا يجوز بيع بعضها ببعض مجازفة و كذا الشراء بالدراهم المغشوشة من الأنواع الثلاثة عددا حكمه حكم الاستقراض سواء فلا يجوز الشراء بالنوع الأول إلا وزنا لأنها في حكم الجياد و إنها وزنية فلم يجز الشراء بها إلا وزنا إذا لم يكن مشارا إليها و كذلك بالنوع الثالث لما ذكرنا في الاستقراض .
وأما النوع الثالث : فالأمر فيه على التفصيل الذي ذكرناه في الاستقراض أن الناس إن كانوا يتبايعون بها وزنا عددا لا يجوز لأحد أن يبتاع بها عددا لأن الوزن صفة أصلية للدراهم و إنما تصير عددية بتعامل الناس فإن جرى التعامل بها وزنا لا عددا فقد تقررت الصفة الأصلية و بقيت وزنية فإذا اشترى بها عددا على غير وزن و العدد هدر و لم توجد الإشارة فقد بقي الثمن مجهولا مفضية إلى المنازعة لأنه لا يدري ما وزن هذا القدر من العدد المسمى فيوجب فساد العقد بخلاف ما إذا اشترى بها عددا على غير وزن و لكن أشار إليها فيما يكتفى فيه بالإشارة حيث يجوز لأن مقدار وزنها و إن كان مجهولا بعد الإشارة إليها لكن هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة لأنه يمكن معرفة مقدار المشار إليه بالوزن إذا كان قائما فلا يمنع جواز العقد و إن كانوا يتبايعون بها عددا جاز لأنها صارت عددية بتعامل الناس و صارت كالفلوس الرائجة هذا إذا اشترى بالأنواع الثلاثة عددا على وزن و لم يعينها .
فأما إذا عينها و اشترى بها عرضا بأن قال اشتريت هذا العرض بهذه الدراهم و أشار إليها فلا شك في جواز الشراء بها و لا تتعين بالإشارة إليها و لا يتعلق العقد بعينها حتى لو هلكت قبل أن ينقدها المشتري لا يبطل البيع و يعطي مكانها مثلها من جنسها و نوعها و قدرها و صفتها .
أما النوع الأول : فلأنها بنزلة الدراهم الجياد و إنها لا تتعين بالإشارة إليها و لا يبطل البيع بهلاكها فكذا هذه .
و أما النوع الثاني : فلأن الصفة فيها إن كانت هي الغالبة على ما يقوله السباكون فهي في حكم النوع الأول و إن لم يغلب أحدهما على الآخر يعتبر كل واحد منهما بحياله فلا يبطل البيع أيضا لأن اعتبار الفضة لا يوجب البطلان لأنها لا تتعين و اعتبار الصفر يوجب لأنه يتعين فلا يبطل بالشك .
و أما النوع الثالث : فلأن الناس إن كانوا يتعاملون بها وزنا فهي و سائر الدراهم سواء فلا تتعين بالإشارة و يتعلق العقد بمثلها في الذمة لا بعينها فلا يبطل البيع بهلاكها و إن كانوا يتعاملون بها عددا فهي بمنزلة الفلوس الرائجة و إنها إذا قوبلت بخلاف في جنسها في المعاوضات لا تتعين و لا يتعلق العقد بعينها بل بمثلها عددا و لا يبطل بهلاكها كذا هذا .
و لو كسد هذا النوع من الدراهم و صارت لا تروج بين الناس فهي بمنزلة الفلوس الكاسدة و الستوق و الرصاص حتى تتعين بالإشارة إليها و يتعلق العقد بعينها حتى يبطل العقد بهلاكها قبل القبض لأنها صارت سلعة لكن قالوا هذا إذا كان العاقدان عالمين بحال هذه و يعلم كل واحد منهما أن الآخر يعلم بذلك فأما إذا كانا لا يعلمان : أو يعلم أحدهما و لم يعلم الآخر أو يعلمان لكن لا يعلم كل واحد منهما أن صاحبه يعلم فإن العقد لا يتعلق بالمشار إليه و لا بجنسها و إنما يتعلق بالدراهم الرائجة التي عليها تعامل الناس في تلك البلد هذا إذا صارت بحيث لا تروج أصلا .
فأما إذا كانت يقبلها البعض دون البعض فحكمها حكم الدراهم الزائفة فيجوز الشراء بها و لا يتعلق العقد بعينها بل يتعلق بجنس تلك الدراهم الزيوف إن كان البائع يعلم بحالها خاصة لأنه رضي بجنس الزيوف و إن كان البائع لا يعلم لا يتعلق العقد بجنس المشار إليه و إنما يتعلق بالجيد من نقد تلك البلد لأنه لم يرض إلا به إذا كان لا يعلم بحالها و الله سبحانه و تعالى أعلم .
ثم إنما لا يبطل البيع بهلاك الدراهم في الأنواع الثلاثة بعد الإشارة إليها إذا كان علم عددها أو وزنها قبل الهلاك لأنه إذا كان علم ذلك يمكن إعطاء مثلها بعد هلاكها .
فأما إذا كان لم يعلم لا عددها و لا وزنها حتى هلكت يبطل البيع لأن الثمن صار مجهولا إذ المشتري لا يمكنه إعطاء مثل الدراهم المشار إليها