حكم العذرات و الأوراث .
إذا عرف هذا الأصل فالأرواث كلها نجسة نجاسة غليظة عند أبي حنيفة لأنه ورد نص يدل على نجاستها و هو ما روينا [ عن ابن مسعود Bه : أن النبي صلى الله عليه و سلم طلب منه ليلة الجن أحجار الاستنجاء فأتى بحجرين و روثة فأخذ الحجرين و رمى بالروثة و قال : إنها رجس أو ركس ] أي نجس و ليس له نص معارض و إنما قال بعض العلماء بطهارتها بالرأي و الاجتهاد و الاجتهاد لا يعارض النص فكانت نجاستها غليظة و على قولهما نجاستها خفيفة لأن العلماء اختلفوا فيها .
و بول ما لا يؤكل لحمه نجس نجاسة غليظة بالإجماع على اختلاف الأصلين أما عنده فلانعدام نص معارض لنص النجاسة و أما عندهما فلوقوع الاتفاق على نجاسته و بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة بالاتفاق أما عنده فلتعارض النصين و هما حديث العرنيين مع حديث عمار و غيره في البول مطلقا .
و أما عندهما فلاختلاف العلماء فيه .
و أما العذرات و خرء الدجاج و البط فنجاستها غليظة بالإجماع على اختلاف الأصلين هذا على وجه البناء على الأصل الذي ذكره الكرخي .
و أما الكلام في الأرواث على طريقة الابتداء فوجه قولهما : إن في الأرواث ضرورة و عموم البلية لكثرتها في الطرقات فتتعذر صيانة الخفاف و النعال عنها و ما عمت بليته خفت قضيته بخلاف خرء الدجاج و العذرة لأن ذلك قلما يكون في الطرق فلا تعم البلوى بإصابته و بخلاف بول ما يؤكل لحمه لأن ذلك تنشفه الأرض و يجف بها فلا تكثر إصابته الخفاف و النعال .
و روي عن محمد في الروث أنه لا يمنع جواز الصلاة و إن كان كثيرا فاحشاص و قيل : إن هذا آخر أقاويله .
حين كان بالري و كان الخليفة بها فرأى الطرق و الخانات مملوءة من الأرواث و للناس فيها بلوى عظيمة فعلى هذا القياس قال بعض مشايخنا بما وراء النهر إن طين بخارى إذا أصاب الثوب لا يمنع جواز الصلاة و إن كان كثيرا فاحشا لبلوى الناس فيه لكثرة العذرات في الطرق و أبو حنيفة احتج بقوله تعالى : { من بين فرث و دم لبنا خالصا سائغا للشاربين } جمع بين الفرث و الدم لكونهما نجسين ثم بين الأعجوبة للخلق في إخراج ما هو نهاية في الطهارة و هو اللبن من بين شيئين نجسين مع كون الكل مائعا في نفسه ليعرف به كمال قدرته .
و الحكيم إنما يذكر ما هو النهاية في النجاسة ليكون إخراجه ما هو النهاية في الطهارة من بين ما هو النهاية في النجاسة نهاية في الأعجوبة و آية لكمال القدرة و لأنها مستخبثة طبعا و لا ضرورة في إسقاط اعتبار نجاستها لأنها و إن كثرت في الطرقات فالعيون تدركها فيمكن صيانة الخفاف و النعال كما في بول ما لا يؤكل لحمه و الأرض و إن كانت تنشف الأبوال فالهواء يجفف الأرواث فلا تلتزق بالمكاعب و الخفاف على أنا اعتبرنا معنى الضرورة بالعفو عن القليل منها و هو الدرهم فما دونه فلا ضرورة في الترقية بالتقدير بالكثير الفاحش و الله أعلم .
و لو أن ثوبا أصابته النجاسة و هي كثيرة فجفت و ذهب أثرها و خفي مكانها غسل جميع الثوب و كذا لو أصابت أحد الكمين و لا يدري أيهما هو غسلهما جميعا و كذا إذا راثت البقرة أو بالت في الكديس و لا يدري مكانه غسل الكل احتياطا .
و قيل : إذا غسل موضعا من الثوب كالدخريص و نحوه و أحد الكمين و بعضا من الكديس يحكم بطهارة الباقي و هذا غير سديد لأن موضع النجاسة غير معلوم و ليس البعض أولى من البعض .
و لو كان الثوب طاهرا فشك في نجاسته جاز له أن يصلي فيه لأن الشك لا يرفع اليقين و كذا إذا كان عنده ماء طاهر فشك في وقوع النجاسة فيه و لا بأس بلبس ثياب أهل الذمة و الصلاة فيها إلا الإزار و السراويل فإنه تكره الصلاة فيهما و تجوز .
أما الجواز فلأن الأصل في الثياب هو الطهارة فلا تثبت النجاسة بالشك و لأن التوارث جار فيما بين المسلمين بالصلاة في الثياب المغنومة من الكفرة قبل الغسل .
و أما الكراهة في الإزار و السراويل فلقربهما من موضع الحدث و عسى لا يستنزهون من البول فصار شبيه يد المستيقظ و منقار الدجاجة المخلاة .
و ذكر في بعض المواضع في الكراهة خلافا على قول أبي حنيفة و محمد : يكره و على قول أبي .
يوسف لا يكره .
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن الشراب في أواني المجوس فقال : [ إن لم تجدوا منها بدا .
فاغسلوها ثم اشربوا فيها ] و إنما أمر بالغسل لأن ذبائحهم ميتة و أوانيهم قلما تخلوا عن دسومة منها .
قال بعض مشايخنا : وكذلك الجواب في ثياب الفسقة من المسلمين لأن الظاهر أنهم لا يتوقون إصابة الخمر ثيابهم في حال الشرب .
و قالوا : في الديباج الذي ينسجه أهل فارس أنه لا تجوز الصلاة فيه لأنهم يستعملون فيه البول عند النسج يزعمون أنه يزيد في بريقه ثم لا يغسلونه لأن الغسل يفسده فإن صح إنهم يفعلون ذلك فلا شك إنه لا تجوز الصلاة معه