ما يرجع إلى المسلم فيه .
فصل : و أما الذي يرجع إلى المسلم فيه فأنواع أيضا : منها أن يكون معلوم الجنس كقولنا حنطة أو شعير أو تمر .
و منها : أن يكون معلوم النوع كقولنا حنطة سقية أو نحسية تمر برني أو فارسي هذا إذا كان مما يختلف نوعه فإن كان مما لا يختلف فلا يشترط بيان النوع .
و منها : أن يكون معلوم الصفة كقولنا جيد أو وسط أو رديء .
و منها : أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع لأن جهالة النوع و الجنس و الصفة و القدر جهالة مفضية إلى المنازعة و إنها مفسدة للعقد و قال النبي عليه الصلاة و السلام : [ من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم و وزن معلوم إلى أجل معلوم ] .
و منها : أن يكون معلوم القدر بكيل أو وزن أو ذرع يؤمن عليه فقده عن أيدي الناس فإن كان لا يؤمن فالسلم فاسد بأن أعلم قدره بمكيال لا يعرف عياره بأن قال بهذا الإناء و لا يعلم كم يسع فيه أو بحجر لا يعرف عياره بأن قال : بهذا الحجر و لا يعلم كم وزنه أو بخشبة لا يعرف قدرها بأن قال بهذه الخشبة و لا يعرف مقدراها أو بذراع يده و لو كان هذا في بيع العين بأن قال : بعتك من هذه الصبرة ملء هذا الإناء بدرهم أو من هذا الزيت وزن هذا الحجر بدرهم يجوز في ظاهر الرواية و روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا يجوز في بيع العين أيضا كما لا يجوز في السلم و روي عن أبي يوسف أنه كان يقول أولا لا يجوز ثم رجع و قال يحوز .
وجه هذه الرواية : أن هذا البيع مكايلة و السلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط الصحة و لم يوجد فيفسد كما لو باع قفزانا من هذه الصبرة و لظاهر الرواية الفرق بين السلم و بين بيع العين .
و وجه الفرق بينهما من وجهين : .
احدهما : أن التسليم في باب السلم لا يجب عقيب العقد و إنما يجب بعد محل الأجل فيحتمل أن يهلك الإناء قبل محل الأجل و هذا الاحتمال إن لم يكن غالبا فليس بنادر أيضا و إذا هلك يصير المسلم فيه مجهول القدر بخلاف بيع العين لأنه يوجب التسليم عقيب العقد و هلاك القفيز عقيب العقد بلا فصل نادر و النادر ملحق بالعدم فلا يصير المبيع مجهول القدر .
و الثاني : أن القدرة على تسليم المبيع شرط انعقاد العقد و صحته و القدرة على التسليم عند العقد فائتة في باب السلم لأن السلم بيع المفاليس و في ثبوت القدرة عند محل الأجل شك قد تثبت و قد لا تثبت لأنه إن بقي المكيال و الحجر و الخشبة تثبت و إن لم يبق لا يقدر فوقع الشك في ثبوت القدرة فلا تثبت بالشك على الأصل المعهود في غير الثابت بيقين إذا وقع الشك في ثبوته أنه لا يثبت بخلاف بيع العين لأن هناك القدرة على التسليم ثابتة عند العقد و في فواتها بالهلاك شك فلا تفوت بالشك على الأصل المعهود في الثابت بيقين إذا وقع الشك في زواله أنه لا يزول بالشك .
و أما قوله : أن العلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط الصحة فنقول : العلم بذلك لا يشترط لعينه بل لصيانة العقد عن الجهالة المفضية إلى المنازعة و هذا النوع من الجهالة لا يفضي إلى المنازعة لإمكان الوصول إلى العلم بقدر المبيع بالكيل للحال بخلاف بيع قفزان من الصبرة لأن هناك لا طريق للوصول إلى العلم بمقدار المبيع فالمشتري يطالبه بزيادة و البائع لا يعطيه فيتنازعان فكانت الجهال مفضية إلى المنازعة فهو الفرق بين الفصلين و قيل : إنما يجوز هذا في بيع العين إذا كان الإناء من خزف من خزف أو خشب أو حديد أو نحو ذلك لأنه لا يحتمل الزيادة و النقصان .
و أما إذا كان مثل الزنبيل و الجوائق و الغرارة و نحو ذلك فلا يجوز لأنه يحتمل الزيادة و النقصان و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و لو كان المسلم فيه مكيلا فأعلم قدره بالوزن المعلوم أو كان موزونا فأعلم قدره بالكيل المعلوم جاز لأن الشرط كونه معلوم االقدر بمعيار يؤمن فقده و قد وجده بخلاف ما إذا باع المكيل بالمكيل وزنا بوزن متساويا في الوزن أو باع الموزون بالموزون كيلا بكيل متساويا في الكيل أنه لا يجوز ما لم يتساويا في الكيل أو الوزن لأن شرط جواز السلم كون المسلم فيه معلوم القدر و العلم بالقدر كما يحصل بالكيل يحصل بالوزن فأما شرط الكيل و الوزن في الأشياء التي ورد الشرع فيها باعتبار الكيل و الوزن في بيع العين ثبت نصا فكان بيعها بالكيل أو الوزن مجازفة فلا يجوز أما في باب السلم فاعتبار الكيل و الوزن لمعرفة مقدار المسلم فيه و قد حصل و الله عز و جل أعلم .
و منها : أن يكون مما يمكن أن يضبط قدره و صفته بالوصف على وجه لا يبقى بعد الوصف إلا تفاوت يسير فإن كان مما لا يمكن و يبقى بعد الوصف تفاوت فاحش لا يجوز السلم فيه لأنه إذا لم يمكن ضبط قدره و صفته بالوصف يبقى مجهول القدر أو الوصف جهالة فاحشة مفضية إلى المنازعة و أنها مفسدة للعقد .
و بيان ذلك أنه يجوز السلم في المكيلات و الموزونات التي تحتمل التعيين و العدديات المتقارب أما المكيلات و الموزونات فلأنها ممكنة الضبط قدرا و صفة على وجه لا يبقى بعد الوصف بينه و بين جنسه و نوعه إلا تفاوت يسير لأنها من ذوات الأمثال .
و كذلك العدديات المتقاربة من الجوز و البيض لأن الجهالة فيها يسيرة لا تفضي إلى المنازعة و صغير الجوز و البيض و كبيرهما لأنه لا يجري التنازع في ذلك القدر من التفاوت و بين الناس عادة فكان ملحقا بالعدم فيجوز السلم فيها عددا و كذلك كيلا و هذا عندنا و قال زفر : لا يجوز .
وجه قوله : أن الجوز و البيض مما يختلف و يتفاوت في الصغر و الكبر حتى يشترى الكبير منها بأكثر مما يشترى الصغير فأشبه البطيخ و الرمان .
و لنا : أن التفاوت بين صغير الجوز و كبيره يسير أعرض الناس عن اعتباره فكان ساقط العبرة و لهذا كان مضمونا بالمثل عند الإتلاف بخلاف الرمان و البطيخ فإن التفاوت بين آحاده تفاوت فاحش و لهذا كان مضمونا بالقيمة