بيع المرابحة و شروطها .
ثم الكلام في المرابحة في مواضع في تفسير بيع المرابحة و في بيان رأس المال أنه ما هو ؟ و في بيان ما يلحق برأس المال و ما لا يلحق به و في بيان ما يجب بيانه عند المرابحة مما ترك بيانه يكون خيانة و ما لا يجب بيانه و ترك بيانه لا يكون خيانة و في بيان حكم الخيانة إذا ظهرت .
أما تفسيره فقد ذكرناه في أول الكتاب و هو أنه بيع بمثل لثمن الأول مع زيادة ربح .
و أما شرائطه .
فمنها : ما ذكرناه و هو أن يكون الثمن الأول معلوما للمشتري الثاني لأن المرابحة بيع بالثمن الأول و مع زيادة ربح و العلم بالثمن الأول و مع زيادة ربح و العلم بالثمن الأول شرط صحة البياعات كلها لما ذكرنا فيما تقدم فإن لم يكن معلوما له فالبيع فاسد إلى أن يعلم في المجلس فيختار إن شاء فيجوز أو يترك فيبطل .
أما الفساد للحال فلجهالة الثمن لأن الثمن للحال مجهول .
و أما الخيار فللخلل في الرضا لأن الإنسان قد يرضى بشراء شيء بثمن يسير و لا يرضى بشرائه بثمن كثير فلا يتكامل الرضا إلا بعد معرفة مقدار الثمن فإذا لم يعرف اختل رضاه و اختلال الرضا يوجب الخيار و لو لم يعلم حتى افترقا عن المجلس بطل العقد لتقرر الفساد و قد ذكرنا اختلاف عبارات الرواية عن أصحابنا عن هذا البيع كبيع الشيء برقمه و نحو ذلك في بعضها أنه فاسد و في بعضها أنه موقوف على الإجازة و الاختيار إذا علم .
و كذلك التولية و الإشراك و الوضعية في اعتبار هذا الشرط و المرابحة سواء لأن التولية بيع بمثل الثمن الأول فلا بد أن يكون الثمن الأول معلوما و الإشراك تولية لكنه تولية بعض المبيع ببعض الثمن و العلم بالثمن كله شرط صحة البيع و الوضعية بيع بمثل الثمن الأول مع نقصان شيء معلوم منه فلا بد و أن يكون الثمن الأول معلوما ليعلم قدر النقصان منه .
و على هذا يخرج ما إذا اشترى رجلان جملة مما له مثل فاقتسماها ثم اراد كل واحد منهما أن يبيع حصته مرابحة إنه يجوز لأن القسمة و إن كانت لا تخلو عن معنى المبادلة حقيقة لكن معنى المبادلة في قسمة المتماثلات ساقط شرعا بل تعد القسمة فيها تمييزا للنصيب و إفرازا محضا و إذا كان كذلك فما يصل إلى كل واحد منهما كأنه عين ما كان له قبل القسمة فكان يجوز له أن يبيع له نصيبه مرابحة قبل القسمة كذا بعدها .
و إن اشتريا جملة مما لا مثل له فاقتسماه لا يجوز لأحدهما أن يبيع حصته و مرابحة لأن معنى المبادلة في قسمة هذا النوع معتبرة إذ الأصل اعتبار الحقيقة فكان ما يصيب كل واحد منهما بالقسمة نصفه ملكه و نصفه بدل ملكه كأنه اشتراه به فلا يجوز بيعه مرابحة كما إذا اشترى عرضا بعرض ثم أراد أن يبيعه مرابحة و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و لو أسلم عشرة دراهم في ثوبين متفقين من جنس واحد و نوع واحد وصفة واحدة و طول واحد حتى جاز السلم بالإجماع و لم يبين حصة كل واحد منهما من رأس المال فحل الأجل له أن يبيعهما جميعا مرابحة على العشرة بلا خلاف فإن باع أحدهما مرابحة على خمسة لم يجز عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد يجوز و لو كان بين حصة كل واحد من الثوبين من رأس المال جاز أن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة بالإجماع لهما إن المقبوض هو المسلم فيه و الملك في المسلم فيه يثبت بعقد السلم و عقد السلم أوجب انقسام الثمن و هو رأس المال على الثوبين المقبوضين على السواء لاتفاقهما في الجنس و النوع و الصفة و القدر فكانت حصة كل واحد منهما معلومة فتجوز المرابحة عليهما كما إذا أسلم عشرة دراهم في كري حنطة فحل السلم و قبضهما ثم باع أحدهما مرابحة .
و لأبي حنيفة : أن المقبوض ليس عين المسلم فيه لأن المسلم فيه دين حقيقة و قبض الدين لا يتصور فلم يكن المقبوض مملوكا بعقد السلم بل بالقبض فكان القبض بمنزلة إنشاء العقد كأنه اشتراهما جميعا ابتداء و لم يبين حصة كل واحد منهما ثم أراد أن يبيع أحدهما مرابحة و ذلك لا يجوز فيما لا مثل له و يجوز فيما له مثل على ما ذكرنا كذا هذا .
و منها : أن يكون الربح معلوما لأنه بعض الثمن و العلم بالثمن شرط صحة البياعات و منها أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال و هو شرط جواز المرابحة على الإطلاق و كذلك التولية .
و بيان ذلك : أن رأس المال لا يخلو إما أن يكون مما له مثل كالمكيلات و الموزونات و العدديات المتقاربة و إما أن يكون مما لا مثل له من الذرعيات و المعدودات المتفاوتة فإن كان مما له مثل يجوز بيعه مرابحة على الثمن الأول و تولية مطلقا سواء باعه من بائعه أو من غيره و سواء جعل الربح من جنس رأس المال في المرابحة أو من خلاف جنسه بعد أن كان الثمن الأول معلوما و الربح معلوما .
و أن كان مما لا مثل له من العروض لا يجوز بيعه مرابحة و لا تولية ممن ليس ذلك العرض في ملكه .
لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول و كذلك التولية فإذا لم يكن الثمن الأول مثل جنسه فإما أن يقع البيع على غير ذلك العرض و إما أن يقع على قيمته و عينه ليس في ملكه و قيمته مجهولة تعرف بالحرز و الظن لاختلاف أهل التقويم فيها و يجوز بيعه تولية ممن العرض في ملكه و يده و أما بيعه مرابحة ممن العرض في ملكه و يده فينظر إن جعل الربح شيئا مفردا عن رأس المال معلوما كالدراهم و ثوب معين و نحو ذلك جاز لأن الثمن الأول معلوم و الربح معلوم .
و إن جعل الربح جزءا من رأس المال بأن قال بعتك الثمن الأول بربح ده يا زده لا يجوز لأنه جعل الربح جزأ من العرض و العرض ليس متماثل الأجزاء و إنما يعرف ذلك بالتقوم و القيمة مجهولة لأن معرفتها بالحرز و الظن .
و أما بيعه مواضعة ممن العرض في يده و ملكه فالجواب فيها على العكس من المرابحة و هو أنه إن جعل الوضيعة شيئا مفردا عن رأس المال معلوما كالدراهم و نحوه لا يجوز لأنه يحتاج إلى وضع ذلك القدر عن رأس المال و هو مجهول و إن جعلها من جنس رأس المال بأن باعه بوضع ده يا زده جاز البيع بعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من رأس المال لأن الموضوع جزء شائع من رأس مال معلوم .
و منها أن لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا فإن كان بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلا بمثل لم يجز له أن يبيعه مرابحة لأن المرابحة بيع بالثمن الأول و زيادة و الزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحا و كذا لا يجوز بيعه مواضعة لما قلنا و له أن يبيعه تولية لأن المانع هو تحقق الربا و لم يوجد في التولية و لأنه بيع بالثمن الأول من غير زيادة و لا نقصان و كذا الإشراك لأنه تولية لكن ببعض الثمن و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما عند اختلاف الجنس فلا بأس بالمرابحة حتى لو اشترى دينارا بعشرة دراهم فباعه بربح درهم أو ثوب بعينه جاز لأن المرابحة بيع بالثمن الأول و زيادة و لو باع دينارا بأحد عشر درهما أو بعشرة دراهم و ثوب كان جائزا كذا هذا و لو باع الدينار بربح ذهب بأن قال بعتك هذا الدينار الذي اشتريته بربح قيراطين لم يجز عند أبي يوسف و عند محمد جاز .
وجه قوله : أن المرابحة بيع بالثمن الأول و زيادة كأنه باع دينارا بعشرة دراهم و قيراطين و ذلك جائز و طريق جوازه أن يكون القيراطان بمثلها من الدينار و العشرة ببقية الدينار كذا هذا .
و لأبي يوسف : أن في تجويز هذا تغيير المرابحة لأن المتصارفين جعلا العشرة رأس المال و الدراهم ربحا فلو جوزنا على ما قاله محمد لصار القيراط رأس مال و بعض العشرة ربحا و فيه تغيير المقابلة و إخراجها عن كونها مرابحة فلا يصح و لو اشترى سيفا محلى بفضة و حليته خمسون بمائة درهم ثم باعه مرابحة بربح درهم أو بربح دينار أو بربح ثوب بعينه لا يجوز لأن المرابحة بيع بالثمن الأول و زيادة ربح و الربح ينقسم على كل الثمن لأنه جعل ربح كل الثمن فلا بد و ان ينقسم على كله ليكون مرابحة على كل الثمن و متى انقسم على الكل كان للحلية حصة من الربح لا محالة فيتحقق الربا و لا يصح العقد و الله أعلم .
و منها : أن يكون العقد الأول صحيحا فإن كان فاسدا لم يجز بيع المرابحة لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح و البيع الفاسد و إن كان يفيد الملك في الجملة لكن بقيمة المبيع أو بمثله لا بالثمن لفساد التسمية و الله عز و جل أعلم