بيان ما يسقط به الخيار و ما يلزم البيع .
و أما بيان ما يسقط به الخيار و يلزم البيع فنقول و بالله التوفيق : أما خيار البائع فما يسقط به خيار و يلزم البيع نوعان من الأصل أحدهما : اختياري و الآخر : ضروري أما الاختياري فالإجازة لأن الأصل هو لزوم البيع و الامتناع يعارض الخيار و قد بطل بالإجازة فيلزم البيع و الإجازة نوعان : صريح و ما هو في معنى الصريح و دلالة .
أما الأول : فنحو أن يقول البائع أجزت البيع أو أوجبته أو أسقطت الخيار أو أبطلته و ما يجري هذا المجرى سواء علم المشتري الإجازة أو لم يعلم .
و أما الإجازة بطريق الدلالة فهي أن يوجد منه تصرف في الثمن يدل على الإجازة وإيجاب البيع فالإقدام عليه يكون إجازة للبيع دلالة .
و الأصل فيه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لبريرة حين عتقت : [ ملكت بضعك فاختاري و إن وطئك زوجك فلا خيار لك ] فقد جعل النبي عليه الصلاة و السلام تمكينها من الوطء دليل بطلان الخيار فصار ذلك أصلا لأن الخيار كما يسقط بصريح الإسقاط يسقط بالإسقاط من طريق الدلالة .
و على هذا يخرج ما إذا كان الثمن عينا فتصرف البائع فيه تصرف الملاك بأن باعه أو ساومه أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو آجره أو رهنه و نحو ذلك لأن ذلك يكون إجازة للبيع .
أما على أصلهما فلأن الثمن دخل في ملك البائع فكان التصرف فيه دليل تقرر ملكه و انه دليل إجازة البيع .
و أما على أصل أبي حنيفة فالإقدام على التصرف يكون دليل اختيار الملك فيه و ذا دليل الإجازة و كذا لو كان الثمن دينا فأبرأ البائع المشتري من الثمن أو اشترى به شيئا منه أو وهبه من المشتري فهو إجازة للبيع لما قلنا و يصح شراؤه و هبته لأن هبة الدين و الشراء به ممن عليه الدين و أنه جائز و كذا لو ساومه البائع بالثمن الذي في ذمته شيئا لأنه قصد تملك ذلك الشيء و لا يمكنه التملك إلا بثبوت ملكه في الثمن أو تقرره فيه .
و لو اشترى بالثمن شيئا من غيره لم يصح الشراء و كان إجازة أما عدم صحة الشراء فلأنه شراء بالدين من غير من عليه الدين .
و أما كونه إجازة للبيع فلأن الشراء به من غيره و إن لم يصح لكنه قصد التملك و ذا دليل الإجازة كما إذا ساومه بل أولى لأن الشراء به في الدلالة على قصده التملك فوق المساومة فلما كانت المساومة إجازة فالشراء اولى بخلاف ما إذا كان البائع قبض الثمن الذي هو دين فاشترى به شيئا أنه لا يكون إجازة للبيع لأن عين المقبوض ليس بمستحق الرد عند الفسخ لأن الدراهم و الدنانير لا يتعينان عندنا في الفسخ كما لا يتعينان في العقد فلم يكن المقبوض فيه مستحق الرد فلا يكون التصرف دليل الإجازة بخلاف ما إذا اشترى به قبل القبض لأنه أضاف الشراء إلى عين ما هو مستحق بالعقد فكان دليل القصد إلى الملك أو تقرر الملك فيه على ما قلنا .
و لو كان الخيار للمشتري فأبرأه البائع من الثمن قال أبو يوسف C لا يصح الإبراء لأن خيار المشتري يمنع وجوب الثمن و الإبراء إسقاط و إسقاط ما ليس بثابت لا يتصور و روي عن محمد C أنه إذا أجاز البيع نفذ الإبراء لأن الملك يثبت مستندا إلى وقت البيع فتبين أن الثمن كان واجبا فكان واجبا فكان إبراؤه بعد الوجوب فينفذ و الله عز و جل أعلم .
و أما الضرورية فثلاثة أشياء : .
أحدهما : مضي مدة الخيار لأن الخيار مؤقت به و المؤقت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية لكن هل تدخل الغاية في شرط الخيار بأن شرط الخيار إلى الليل أو إلى الغد هل يدخل الليل أو الغد قال أبو حنيفة عليه الرحمة تدخل و قال أبو يوسف و محمد : لا تدخل .
وجه قولهما : أن الغاية لا تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في قوله تعالى عز شأنه : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } حتى لا يجب الصوم في الليل و كما في التأجيل إلى غاية أن الغاية لا تدخل تحت الأجل كذا هذا .
و لأبي حنيفة : أن الغايات منقسمة غاية إخراج و غاية إثبات فغاية الإخراج تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في قوله تعالى : { فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق } و الغاية ههنا في معنى غاية الإخراج ألا ترى انه لو لم يذكر الوقت أصلا لاقتضى ثبوت الخيار في الوقات كلها حتى لم يصح لأنه يكون في معنى شرط خيار مؤبد بخلاف التأجيل إلى غاية فإنه لولا ذكر الغاية لم يثبت الأجل أصلا فكانت الغاية غاية إثبات فلم تدخل تحت ما ضربت له الغاية و الثاني : موت البائع في مدة الخيار عندنا .
و قال الشافعي C : لا يبطل الخيار بموته بل يقوم وارثه مقامه في الفسخ و الإجازة و الله عز و جل أعلم .
و لقب هذه المسألة أن خيار الشرط هل يورث أم لا ؟ عندنا يورث و عنده لا يورث و أجمعوا على أن خيار القبول لا يورث و كذا خيار الإجازة في بيع الفضولي لا يورث بالإجماع و كذا الأجل لا يورث بالاتفاق و أجمعوا على أن خيار العيب و خيار التعيين يورث .
و أما خيار الرؤية فلم يذكر في الأصل و ذكر في الحيل أنه لا يورث و كذا روى ابن سماعة عن محمد أنه لا يورث احتج الشافعي C بظواهر آيات المواريث حيث أثبت الله عز و جل الإرث في المتروك مطلقا و الخيار متروك فيه الإرث و بما روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ من ترك مالا أو حقا فلورثته ] و الخيار حق تركه فيكون لورثته و لأنه حق ثبت بالبيع فيجري فيه الإرث كالملك الثابت و هذا لأن الإرث كما يثبت في الأملاك يثبت في الحقوق الثابتة بالبيع و لهذا يثبت في خيار العيب و خيار التعيين كذا هذا .
و لنا : أن الخيار لو ثبت للوارث لم يخل من أن يثبت ابتداء أبطريق الإرث لا سبيل إلى الأول لأن الشرط لم يوجد من الوارث ابتداء و إثبات الخيار له من غير وجود شرط الخيار منه خلاف الحقيقة و لا سبيل إلى الثاني لأن الوارث يعتمد الباقي بعد موت المورث و خياره لا يبقى بعد موته لأن خياره يخيره بين الفسخ و الإجازة و لا يتصور ذلك منه بعد موته فلا يورث بخلاف خيار العيب و التعيين لأن الموروث هناك محتمل للإرث و هو العين المملوكة و اما الآية و الحديث فنقول بموجبهما لكن لم قلتم إن الخيار متروك و هذا لأن المتروك عين تبقى و الخيار عرض لا يبقى فلم يكن متروكا فلا يورث و الله عز و جل أعلم