ما يسقط خيار العيب .
و على هذا يخرج ما قاله أبو حنيفة C : فيما إذا اشترى رجلان شيئا ثم اطلعا على عيب به كان عند البائع أنه لا ينفرد أحدهما بالفسخ دون صاحبه و عند أبي يوسف و محمد ينفرد أحدهما بالفسخ و على هذا الخلاف لو اشتريا شيئا على انهما بالخيار فيه ثلاثة أيام أو اشتريا شيئا لم يرياه .
وجه قولهما : أنه رد المشتري كما اشترى فيصح كما إذا اشترى عبدا على أنه بالخيار في نصفه ثلاثة أيام فرد النصف و دلالة الوصف أنه اشترى النصف لأنهما لما اشتريا العبد جملة واحدة كان كل واحد منهما مشتريا نصفه و قد رد النصف فقد رد ما اشترى كما اشترى .
و لأبي حنيفة C : أنه لم يوجد شرط الرد و ثبوت حق الرد عند انعدام شرطه ممتنع .
و الدليل على انه لم يوجد شرط الرد أن الشرط أن يكون المردود على الوصف الذي كان مقبوضا و لم يوجد لأنه قبضه غير معيب بعيب زائد فلو رده لرده و هو معيب زائد و هو عيب الشركة لأن الشركة في الأعيان عيب لأن نصف العين لا يشترى بالثمن الذي يشترى به لو لم يكن مشتركا فلم يوجد رد ما اشترى فلا يصح الرد دفعا للضرر عن البائع و لهذا لو أوجب البائع البيع في عبد لاثنين فقبل أحدهما دون الآخر لم يصح لأن البائع لم يرض بزوال ملكه إلا عن الجملة فإذا قبل أحدهما دون الآخر فقد فرق الصفقة على البائع فلم يصح دفعا للضرر عنه كذا هذا .
و كذلك لو كان النقصان بفعل أجنبي أو بفعل البائع بأن قطع يده و وجب الأرش أو كانت جارية فوطئها و وجب العقر لم يكن أن يرد بالعيب لما قلنا و لمعنى آخر يختص به و هو أن النقصان بفعل الأجنبي أو بفعل البائع يؤخذ الأرش و العقر للمشتري و انه زيادة و لهذا يمنع الرد بالعيب على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
و لو اشترى مأكولا في جوفه كالبطيخ و الجوز و القثاء و الخيار و الرمان و البيض و نحوها فكسره فوجده فاسدا فهذا في الأصل لا يخلو عن أحد وجهين : إما إن وجد كله فاسدا و إما إن وجد البعض فاسدا و البعض صحيحا فإن وجده كله فاسدا فإن كان مما لا ينتفع به أصلا فالمشتري يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه تبين لأن البيع وقع باطلا لأنه بيع ما ليس بمال و بيع ما ليس بمال لا ينعقد كما إذا اشترى عبدا ثم تبين أنه حر .
و إن كان مما يمكن الانتفاع به في الجملة ليس له أن يرده بالعيب عندنا و عند الشافعي C : له أن يرده .
وجه قوله : انه لما باعه منه فقد سلطه على الكسر فكان الكسر حاصلا بتسليط البائع فلا يمنع الرد و لنا ما ذكرنا فيما تقدم أن شرط الرد أن يكون المردود وقت الرد على الوصف الذي كان عليه وقت القبض و لم يوجد لأنه تعيب بعيب زائد بالكسر فو رد عليه لرد معيبا بعيبين فانعدم شرط الرد .
و أما قوله : البائع سلطه على الكسر فنعم لكن بمعنى أنه مكنه من الكسر بإثبات الملك له فيكون هو بالكسر متصرفا في ملك نفسه لا في ملك البائع بأمره ليكون ذلك منه دلالة الرضا بالكسر .
و إن وجد بعضه فاسدا دون البعض ينظر إن كان الفاسد كثيرا يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه ظهر أن البيع وقع في القدر الفاسد باطلا لأنه تبين أنه ليس بمال و إذا بطل في ذلك القدر يفسد في الباقي كما إذا جمع بين حر و عبد و باعهما صفقة واحدة .
و إن كان قليلا في القياس و في الاستحسان صح البيع في الكل و ليس له أن يرد و لا يرجع فيه بشيء لأن قليل الفساد فيه مما لا يمكن التحرز عنه إذ هذه الأشياء في العبادات لا تخلو عن قليل فساد فكان فيه ضرورة فيلتحق ذلك القدر بالعدم .
و من مشايخنا من فصل تفصيلا آخر فقال : إذا وجد كله فاسدا فإن لم يكن لقشره قيمة فالبيع باطل لأنه تبين أنه باع ما ليس بمال و إن كان لقشره قيمة كالرمان و نحوه فالبيع لا يبطل لأنه إذا كان لقشره قيمة كان القشر مالا و لكن البائع بالخيار إن شاء رضي به ناقصا و قبل قشره ورد جميع الثمن و إن شاء لم يقبل لأنه تعيب بعيب زائد ورد على المشتري حصة المعيب جبرا لحقه و إن وجد بعضه فاسدا فعلى هذا التفصيل أيضا لأنه إن لم يكن لقشره قيمة رجع على البائع بحصته من الثمن و إن كان لقشره قيمة رجع بحصة العيب دون القشر اعتبارا للبعض بالكل إلا إذا كان الفاسد منه قليلا قدر ما لا يخلو مثله فلا يرد و لا يرجع بشيء و الله عز و جل أعلم