باب ما يمنع الرجوع بنقصان العيب .
و أما بيان ما يمنع الرجوع بنقصان العيب و ما لا يمنع فالكلام في حق الرجوع بالنقصان في موضعين : .
أحدهما : في بيان شرائط ثبوت حق الرجوع .
و الثاني : في بيان ما يبطل به هذا الحق بعد ثبوته و ما لا يبطل .
أما الشرائط : فمنها امتناع الرد و تعذره فلا يثبت مع إمكان الرد حتى لو وجد به عيبا أراد المشتري أن يمسك المبيع مع إمكان رده على البائع و يرجع بالنقصان ليس له ذلك لأن حق الرجوع بالنقصان كالخلف عن الرد و القدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف و لأن إمساك المبيع المعيب مع علمه بالعيب دلالة الرضا بالعيب و الرضا بالعيب يمنع الرجوع بالنقصان كما يمنع الرد .
و منها أن يكون امتناع الرد لا من قبل المشتري فإن كان من قبله لا يرجع بالنقصان لأنه يصير حابسا المبيع بفعله ممسكا عن الرد و هذا يوجب بطلان الحق أصلا و رأسا .
و على هذا يخرج ما إذا هلك المبيع أو انتقض بآفة سماوية أو بفعل المشتري ثم علم أنه يرجع بالنقصان لأن امتناع الرد في الهلاك لضرورة فوات المحل و في النقصان لأمر يرجع إلى البائع و هو دفع ضرر زائد يلحقه بالرد .
ألا ترى أن للبائع أن يقول : أنا أقبله مع النقصان فأدفع إليك جميع الثمن و إذا كان امتناع الرد لأمر يرجع إليه و هو لزوم الضرر إياه بالرد فإذا دفع الضرر عنه بامتناع الرد لا بد من دفع الضرر عن المشتري بالرجوع بالنقصان و سواء كان النقصان يرجع إلى الذات بفوات جزء من العين أو لا يرجع إليه كما إذا كان المبيع جارية ثيبا فوطئها المشتري أو قبلها بشهوة ثم علم بالعيب لأن الرد امتنع لا من قبل المشتري بل من قبل البائع .
ألا ترى أن له أن يقبلها موطوءة و لو كان لها زوج عند البائع فوطئها زوجها في يد المشتري فإن كان زوجها قد وطئها في يد البائع لم يرجع بالنقصان لأن هذا الوطء لا يمنع الرد و إمكان الرد يمنع الرجوع بالنقصان و إن كان لم يطأها عند البائع فوطئها عند المشتري فإن كانت بكرا يرجع بالنقصان لأن وطء البكر يمنع الرد بالعيب لأنه يوجب نقصان العين بإزالة العذرة و الامتناع ههنا ليس لمعنى من قبل المشتري بل من قبل البائع فلا يمنع الرجوع بالنقصان و إن كانت ثيبا لم يذكر في الأصل أنه يمنع الرد أم لا و قيل : لا يمنع فلا يرجع بالنقصان مع إمكان الرد .
و كذا لو كان المبيع قائما حقيقة هالكا تقديرا بأن أعطى له حكم الهلاك كما إذا كان المبيع ثوبا فقطعه و خاطه أو حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو لحما فشواه فإنه يرجع بالنقصان لأن امتناع الرد في هذه المواضع من قبل البائع .
و لو حدث في المبيع أو بسببه زيادة مانعة من الرد كالولد و الثمرة و اللبن و الأرش و العقر يرجع بالنقصان لأن امتناع الرد ههنا لا من قبل المشتري بل من قبل الشرع لما ذكرنا فيما تقدم أنه لو رد الأصل بدون الزيادة لبقيت الزيادة مبيعا مقصودا بلا ثمن و هذا تفسير الربا في متعارف الشرع و حرمة الربا تثبت حقا للشرع و لهذا لو تراضيا على الرد لا يقضى بالرد لأن الحرمة الثابتة حقا للشرع لا تسقط برضا العبد .
و إذا كان امتناع الرد لمعنى يرجع إلى الشرع لا إلى المشتري بقي حق المشتري في وصف السلامة واجب الرعاية فكان له أن يرجع بالنقصان جبرا لحقه و لو كان الزيادة المانعة سمنا أو عسلا لته بسويق أو عصفرا أو زعفرانا صبغ به الثوب أو بناء على الأرض يرجع بالنقصان لأن التعذر ليس من قبل المشتري و لا من قبل البائع بل من قبل الشرع .
ألا ترى أنه ليس للبائع أن يقول أنا آخذ كذلك و تعذر الرد لحق الشرع لا يمنع الرجوع بالنقصان لما ذكرنا و لو باعه المشتري أو وهبه ثم علم بالعيب لم يرجع بالنقصان لأن امتناع الرد ههنا من قبل المشتري لأنه بالبيع صار ممسكا عن الرد لأن المشتري قام مقامه فصار للرد الذي هو الحق فلا يرجع بشيء .
و كذلك لو كاتبه لأنها توجب صيرورة العبد حرا يدا فصار بالكتابة ممسكا عن الرد فأشبه البيع و كذلك لو أعتقه على مال ثم وجد به عيبا لأن الإعتاق على مال في حق المعتق في معنى البيع لأنه أخذ العوض بمقابلته البيع يمنع الرجوع بالنقصان كذا هذا .
وروي عن أبي يوسف C : أن لا يمنع و لو أعتقه على غير مال ثم وجد به عيبا فالقياس أن لا يرجع و هو قول الشافعي C و في الاستحسان يرجع .
وجه القياس : أن الرد امتنع بفعله و هو الإعتاق فأشبه البيع أو الكتابة وجه الاستحسان أن تعذر الرد ههنا ليس من قبل المشتري لأن الإعتاق ليس بإزالة الملك بل الملك ينتهي بالإعتاق و هذا لأن الأصل في الآدمي عدم الملك و المالية إذ الأصل فيه أن يكون حرا لأن الناس كلهم أولاد آدم و حواء عليهما الصلاة و السلام و المتولد من الحرين يكون حرا إلا أن الشرع ضرب الملك و المالية عليه بعارض الكفر مؤقتا إلى غاية الإعتاق و المؤقت إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية فينتهي الملك و المالية عند الإعتاق فصار كما لو انتهى بالموت و به تبين أن الإعتاق ليس بحبس بخلاف البيع لأنه ما أخذ العوض فقد أقام المشتري مقام نفسه فكأنه استبقاه على ملكه فصار حابسا إياه بفعله ممسكا عن الرد فلم يرجع بالنقصان .
و كذلك لو دبره أو استولده ثم وجد به عيبا يرجع بالنقصان لأن الرد لم يمتنع من قبل المشتري بل من قبل الشرع و لو قتله المشتري لم يرجع بالنقصان في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف : أنه يرجع لأن المقتول ميت بأجله فتنتهي حياته عند القتل كما تنتهي عند الموت فصار كما لو مات حتف أنفه و هناك يرجع بالنقصان كذا هذا .
وجه ظاهر الرواية : أن فوات الحياة إن لم يكن أثر فعل القاتل حقيقة فهو أثر فعله عادة فجعل في حق القاتل كأنه تفويت الحياة حقيقة و إزالتها و إن كان انتهاء حقيقة كالإعتاق على مال إنه ألحق بالبيع في حق المعتق و إن لم يكن كذلك في حق العبد فصار حابسا للعبد بصنعه ممسكا