العدديات المتقاربة .
و إن كان من العدديات المتقاربة كالجوز و البيض فرأى البعض منها ذكر الكرخي أن له الخيار و ألحقه بالعدديات المتفاوتة لاختلافها في الصغر و الكبر كالبطيخ و الرمان .
و ذكر القاضي الإمام الإسبيجابي C في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا خيار له و هو الصحيح لأن التفاوت بين صغير البيض و الجوز و كبيرهما متقارب ملحق بالعدم عرفا و عادة و شرعا و لهذا الحق بالعدم في السلم حتى جاز السلم فيها عددا عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر فكان رؤية بعضه معرفا حال الباقي و يحتمل أن يكون الجواب على ما ذكره الكرخي و يفرق بين هذا و بين السلم و هو أن البيض و الجوز مما يتفاوت في الصغر و الكبر حقيقة .
و الأصل في الحقائق اعتبارها إلا أن الشرع أهدر هذا التفاوت و ألحقه بالعدم في السلم لحاجة الناس و لا حاجة إلى الإهدار في إسقاط الخيار فبقي التفاوت فيه معتبرا فرؤية البعض لا تحصل المقصود و هو العلم بحال الباقي فبقي الخيار و الله عز و جل أعلم .
و لو اشترى دهنا في قارورة فرأى خارج القارورة فعن محمد روايتان روى ابن سماعة عنه : أنه لا خيار له لأن الرؤية من الخارج تفيد العلم بالداخل فكأنه رآه و هو خارج و روي عنه أن له الخيار لأن العلم بما في داخل القارورة لا يحصل بالرؤية من خارج القارورة لأن ما في الداخل يتلون بلون القارورة فلا يحصل المقصود من هذه الرؤية .
و قالوا : في المشتري إذا رأى المبيع في المرآة أن له الخيار و كذا في الماء و قالوا : لأنه لم ير عينه و إنما رأى مثاله .
و الصحيح : أنه رأى عين المبيع لا أن غير المبيع في المرآة و الماء بل يراه حيث هو لكن لا على الوجه المعتاد بخلق الله تعالى فيه الرؤية و هذا ليس ببعيد لأن المقابلة ليست من شرط الرؤية فإنا نرى الله تعالى عز شأنه بلا مقابلة و لكن قد لا يحصل له العلم بهيئته لتفاوت المرآة فيعلم بأصله لا بهيئته فلذلك يثبت له الخيار لا لما قالوا و الله عز و جل أعلم على أن في العرف لا يشتري الإنسان شيئا لم يره ليراه في المرآة أو في الماء ليحصل له العلم بهذا الطريق فلا تكون رؤية في المرآة و إن رأى عينه مسقطة للخيار .
و على هذا قالوا فيمن رأى فرج أم امرأته في الماء أو في المرآة فنظر إليه بشهوة لا تثبت له حرمة المصاهرة و كذا لا يصير مراجعا للمرأة المطلقة طلاقا رجعيا لما قلنا .
و لو اشترى سمكا في دائرة يمكن أخذه من غير اصطياد و حيلة حتى جاز البيع فرآه في الماء ثم أخذه قال بعضهم لا خيار له لأنه رأى عين السمك و قال بعضهم له الخيار لأن ما رآه كما هو لأن الشيء لا يرى في الماء كما هو بل يرى أكثر مما هو فلم يحصل المقصود بهذه الرؤية و هو معرفته كما هو فله الخيار .
و أما بيان وقت ثبوت الخيار هو وقت الرؤية لا قبلها حتى لو أجاز قبل الرؤية و رضي به صريحا بأن قال أجزت أو رضيت أو ما يجري هذا المجرى ثم رآه له أن يرده لما روي عن عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أنه أثبت الخيار للمشتري بعد الرؤية ] فلو ثبت له خيار الإجازة قبل الرؤية و أجاز لم يثبت له الخيار بعد الرؤية و هذا خلاف النص و لأن المعقود عليه قبل الرؤية مجهول الوصف و الرضا بالشيء قبل العلم به و العلم بوجود سببه محال فكان ملحقا بالعدم .
و أما الفسخ قبل الرؤية فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز لأنه لا خيار قبل الرؤية و لهذا لم تجز الإجازة فلا يجوز الفسخ و قال بعضهم يجوز و هو الصحيح لأن هذا عقد غير لازم فكان محل الفسخ كالعقد الذي فيه خيار العيب و عقد الإعارة و الإيداع و قد خرج الجواب عن قولهم إنه لا خيار قبل الرؤية لأن ملك الفسخ لم يثبت حكما للخيار و إنما حكما لعدم لزوم العقد و الله عز و جل أعلم .
و أما بيان كيفية ثبوت الخيار فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم إن خيار الرؤية بعد الرؤية يثبت مطلقا في جميع العمر إلى أن يوجد ما يبطله فيبطل حينئذ و إلا فيبقى على حاله و لا يتوقف بإمكان الفسخ و هو اختيار الكرخي لأن سبب ثبوت هذا الخيار هو اختلال الرضا و الحكم يبقى ما بقي سببه و قال بعضهم إنه يثبت مؤقتا إلى غاية إمكان الفسخ بعد الرؤية حتى لو رآه و أمكنه الفسخ و لم يفسخ يسقط خياره و إن لم توجد الأسباب المسقطة للخيار على ما نذكره إن شاء الله تعالى لأن من الأسباب المسقطة للخيار الرضا و الإجازة و الامتناع من الفسخ بعد الإمكان دليل الإجازة و الرضا و الله سبحانه و تعالى أعلم