بين ما يسقط به الخيار بعد ثبوته .
و أما ما يسقط به الخيار بعد ثبوته و يلزم البيع و ما لا يسقط و لا يلزم فنقول و بالله التوفيق : .
ما يسقط به الخيار بعد ثبوته و يلزم البيع في الأصل نوعان : اختياري و ضروري و الاختياري نوعا : .
صريح و ما يجري مجرى الصريح و دلالة أما الصريح و ما في معناه فنحو أن يقول أجزت البيع أو رضيت أو اخترت أو ما يجري هذا المجرى سواء علم البائع بالإجازة أو لم يعلم لأن الأصل في البيع المطلق هو اللزوم و الامتناع لخلل في الرضا فإذا أجاز و رضي فقد زال المانع فيلزم و أما الدلالة فهو أن يوجد من المشتري تصرف في المبيع بعد الرؤية يدل على الإجازة و الرضا نحو ما إذا قبضه بعد الرؤية لأن القبض بعد الرؤية دليل الرضا بلزوم البيع لأن القبض شبها بالعقد فكان القبض بعد الرؤية كالعقد بعد الرؤية و ذاك دليل الرضا كذا هذا .
و سواء قبضه بنفسه أو وكيله بالقبض بأن قبضه الوكيل و هو ينظر إليه و كانت رؤيته كرؤية الموكل عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد لا يسقط خياره بقبض الوكيل مع رؤيته و لقب المسألة أن الوكيل بالقبض يملك إسقاط خيار الرؤية عنده وعندهما لا يملك .
و أجمعوا على أن الرسول بالقبض لا يملك و أجمعوا على أن الوكيل بالشراء يملك و كانت رؤية الموكل و أجمعوا على أن الرسول بالشراء لا يملك و لا تكون رؤية المرسل و يثبت الخيار للمرسل إذا لم يره .
وجه قولهما : أن الوكيل متصرف بحكم الأمر و المتصرف بحكم الأمر لا يتعدى إلى مورد الأمر و هو وكيل بالقبض لا بإسقاط الخيار فلا يملك إسقاطه و لهذا لا يملك إسقاط خيار العيب و لا خيار الشرط و كذا الرسول لا يملك فكذا الوكيل .
و لأبي حنيفة : أنه وكيل بالقبض لكن بقبض تام لأن الوكيل بالشيء وكيل بإتمام ذلك الشيء و لهذا كان الوكيل بالخصومة وكيلا بالقبض و تمام القبض بإسقاط الخيار لأن الخيار يمنع تمام القبض و لهذا لا يملك التفريق بعد القبض لأنه غير مقبوض .
و قد خرج الجواب عن قولهما إنه وكيل بالقبض لا بإبطال الخيار لأن الوكيل عنده لا يملك إبطال الخيار مقصودا لأن الموكل لا يملك ذلك فكيف يملكه الوكيل و إنما يبطل في ضمن القبض بأن قبضه و هو ينظر إليه حتى لو قبضه مستورا ثم أراد بطلان الخيار لا يملكه و الشيء قد يثبت ضمنا لغيره و إن كان لا يثبت مقصودا كعزل الوكيل و غيره بخلاف خيار العيب لأنه لا يمنع تمام القبض .
ألا ترى أنه يملك التفريق بعد القبض و كذا الرد بعد القبض بغير قضاء لم يكن رفعا للعقد من الأصل بخلاف الرد قبل القبض و بخلاف خيار الشرط لأنه يثبت للاختبار و القبض وسيلة إلى الاختبار فلم يصلح القبض دليل الرضا و خيار الرؤية إنما يثبت بخلل في الرضا و القبض مع الرؤية دليل الرضا على الكمال فأوجب بطلان الخيار و بخلاف الرسول بالقبض لأنه نائب في القبض عن المرسل فكان قبضه قبض المرسل فكان إتمام القبض إلى المرسل .
و أما الوكيل فأصل في نفس القبض و إنما الواقع للموكل حكم فعله فكان الإتمام إلى الوكيل وكذا إذا تصرف فيه تصرف الملاك بأن كان ثوبا فقطعه أو صبغه أحمر أو أصفر أو سويقا فلته بسمن أو عسل أو أرضا فبنى عليها أو غرس أو زرع أو جارية فوطئها أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة أو دابة فركبها لحاجة نفسه و نحو ذلك لأن الإقدام على هذه التصرفات دلالة الإجازة و الرضا بلزوم البيع و الملك به إذ لو لم يكن به و فسخ البيع لتبين أنه تصرف في ملك الغير من كل وجه أو من وجه و أنه حرام فجعل ذلك إجازة منه صيانة له عن ارتكاب الحرام .
و كذا إذا عرضه على البيع باع أو لم يبع لأنه لما عرضه على البيع فقد قصد إثبات الملك اللازم للمشتري و من ضرورته لزوم الملك له ليمكنه إثباته لغيره و لو عرض بعضه على البيع سقط خياره عند أبي يوسف و عند محمد لا يسقط و الصحيح قول أبي يوسف لأن سقوط الخيار و لزوم البيع بالعرض لكون العرض دلالة الإجازة و الرضا و دلالة الإجازة دون صريح الإجازة ثم لو صرح بالإجازة في البعض لم يجز و لم يسقط خياره لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام فلأن لا يسقط بدلالة الإجازة أولى .
و كذا لو وهبه سلم أو لم يسلم لأن الثابت بالهبة لا يعود إليه إلا بقرينة القضاء أو الرضا فكان الإقدام عليها دلالة قصد إثبات الملك اللازم فيقتضي لزوم الملك للواهب و كذا إذا رهنه و سلم أو آجره لأن كل واحد منهما عقد لازم في نفسه و الثابت بهما حق لازم للغير و كذا إذا كاتبه لأن الكتابة عقد لازم في جانب المكاتب و الثابت بها حق لازم في حقه و كذا إذا باعه أو وهبه و سلم و كذا إذا أعتقه أو دبره أو استولده لأن هذه تصرفات لازمة و الثابت بها ملك لازم أو حق لازم فالإقدام عليها يكون إجازة و التزاما للعقد دلالة .
و لو باع بشرط الخيار لنفسه خياره في رواية و في رواية يسقط و هي الصحيحة لأن البيع بشرط الخيار لا يكون أدنى من العرض على البيع بل فوقه ثم العرض على البيع يسقط الخيار فهذا أولى .
و كذا لو أخرج بعضه عن ملكه يسقط خياره عن الباقي ولزم البيع فيه لأن رد الباقي تفريق الصفقة على البائع قبل التمام لأن خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة لأنه يمنع تمام الرضا و كذا إذا انتقص المعقود عليه بفعله و الله عز و جل أعلم .
و أما الضروري فهو كل ما يسقط به الخيار و يلزم البيع من غير صنعه نحو موت المشتري عندنا خلافا للشافعي C و المسألة قد مرت في خيار الشرط و كذا إجازة أحد الشريكين فيما اشترياه و لم يرياه دون صاحبه عند أبي حنيفة و قد ذكرنا المسألة في خيار العيب .
و كذا إذا هلك بعضه أو انتقص بأن تعيب بآفة سماوية أو بفعل أجنبي أو بفعل البائع عند أبي حنيفة و محمد رحمهما الله أو ازداد في يد المشتري زيادة منفصلة أو متصلة متولدة أو غير متولدة على التفصيل و الاتفاق و الاختلاف الذي ذكرنا في خيار الشرط و العيب .
و الأصل أن كل ما يبطل خيار الشرط و العيب يبطل خيار الرؤية إلا أن خيار الشرط و العيب يسقط بصريح الإسقاط و خيار الرؤية لا يسقط بصريح الإسقاط لا قبل الرؤية و لا بعدها .
أما قبلها فلما ذكرنا فيما تقدم أنه لا خيار قبل الرؤية لأن أوان ثبوت الخيار هو أوان الرؤية فقبل الرؤية لا خيار و إسقاط الشيء قبل ثبوته و ثبوت سببه محال و أما بعد الرؤية فلأن الخيار ما ثبت باشتراط العاقدين لأن ركن العقد مطلق عن الشرط نصا و دلالة و إنما يثبت شرعا لحكمه فيه فكان ثابتا حقا لله تعالى