ما يثبت به خيار الشرط و العيب .
و أما خيار الشرط و العيب قثبت باشترط العاقدين أما خيار الشرط فظاهر لأنه منصوص عليه في العقد و اما خيار العيب فلأن السلامة مشروطة في العقد دلالة و الثابت بدلالة النص كالثابت بصريح النص فكان ثابتا حقا للعبد و ما ثبت حقا للعبد يحتمل السقوط بإسقاطه مقصودا لأن الإنسان يملك التصرف في حق نفسه مقصودا استيفاء و إسقاطا .
فأما ما ثبت حقا لله تعالى فالعبد لا يملك التصرف فيه إسقاطا مقصودا لأنه لا يملك التصرف في حق غيره مقصودا لكنه يحتمل السقوط بطريق الضرورة بأن يتصرف في حق نفسه مقصودا و يتضمن ذلك سقوط حق الشرع فيسقط حق الشرع في ضمن التصرف في حق نفسه كما إذا أجاز المشتري البيع و رضي به بعد الرؤية نصا أو دلالة بمباشرة تصرف يدل على الرضا و الإجازة لأنه و إن ثبت حقا للشرع لكن الشرع أثبته نظرا للعبد حتى إذا رآه و صله له أجازه و إن لم يصلح له رده إذ الخيار هو التخيير بين الفسخ و الإجازة فكان المشتري بالإجازة و الرضا متصرفا في حق نفسه مقصودا .
ثم من ضرورة الإجازة لزوم العقد و من ضرورة العقد سقوط الخيار فكان سقوط الخيار من طريق الضرورة لا بالإسقاط مقصودا و يجوز أن يثبت الشيء بطريق الضرورة .
و إن كان لا يثبت مقصودا كالوكيل بالبيع إذا عزله الموكل و لم يعلم به فإنه لا ينعزل و لو باع الموكل بنفسه ينعزل الوكيل كذا هنا .
و لو باع بشرط الخيار قبل الرؤية أو عرضه على البيع أو وهبه و لم يسلم أو كان للمشتري دارا فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة فهو على خياره لأن هذه التصرفات دلالة الرضا و هذا الخيار قبل الرؤية لا يسقط بصريح الرضا فبدلالة الرضا أولى أن لا يسقط و إنما يسقط بتعذر الفسخ بأن أعتق أو دبر أو باع أو آجر أو رهن و سلم .
أما الإعتاق و التدبير فلأن كل واحد منهما وقع صحيحا لمصادفة محلا مملوكا و كل واحد منهما تصرف لازم لا يحتمل التقض و الفسخ فتعذر فسخ البيع لتعذر فسخهما .
و أما البيع و الإجازة و الرهن فلأنها تصرفات لازمة أوجب بها ملكا لازما أو حقا لازما للغير على وجه لا يملك الاسترداد فتعذر الفسخ و تعذر فسخ العقد يوجب لزومه لأن الفسخ إذ تعذر لم يكن في بقاء العقد فائدة فيسقط ضرورة و لو باع أو رهن أو آجر ثم رد عليه بعيب بقضاء القاضي أو افتك الرهن أو انقضت مدة الإجارة لا يعود الخيار كذا روي عن أبي يوسف لأن خيار الرؤية بعدما سقط لا يعود إلا بسبب جديد بخلاف خيار العيب و على هذا إذا كاتبه أو وهبه و سلمه أو باعه بشرط الخيار للمشتري قبل الرؤية يلزم البيع لأن هذه عقود لازمة أوجبت حقوقا لازمة .
أما الكتابة فلأنها عقد لازم في حق المكاتب حتى لا يملك الفسخ من غير رضا المكاتب و كذا البيع بشرط الخيار للمشتري لأنه لازم في جانب البائع و أما الهبة فلأن الثابت بها ملك لا يحتمل العود إليه إلا بقضاء أو رضا فكان في معنى اللازم و إذا تعذر الفسخ بسبب هذه التصرفات و تعذر الفسخ يوجب اللزوم و يسقط الخيار ضرورة عدم الفائدة بخلاف ما إذا باع بشرط الخيار لنفسه لأنه ليس بتصرف لازم في حقه و كذا الهبة من غير تسليم و العرض على البيع و الله عز و جل أعلم .
ثم ما ذكرنا من سقوط الخيار و لزوم البيع برضا المشتري إذا رأى كل المبيع فرضي به فأما إذا رأى بعضه دون بعض فهل يسقط خياره ؟ فتفصيل الكلام فيه على النحو الذي ذكرنا فيما إذا رأى بعض المبيع دون بعض وقت الشراء فكل ما يمنع ثبوت الخيار هناك يسقط بعد ثبوته ههنا و ما لا فلا و فيما وراء ذلك لا يختلفان و الله عز و جل أعلم .
و على ذلك خرج ما إذا اشترى مغيبا في الأرض كالجزر و البصل و الثوم و السلق و الفجل و نحوها من المغيبات في الأرض فقلع بعضه و رضي بالمقلوع إنه لا يسقط خياره عند أبي حنيفة حتى إنه إذا قلع الباقي كان على خياره إن شاء رد الكل و إن شاء أمسك الكل .
و قال أبو يوسف و محمد : إذا قلع شيئا مما يستدل به على الباقي في عظمه و رضي به المشتري فهو لازم .
وجه قولهما : أنه إذا قلع ما يستدل به على الباقي كان رؤية بعضه كرؤية كله فكأنه قلع الكل و رضي به كما إذا اشترى صبرة فرأى ظاهرها يسقط خياره كذا هذا .
وجه قول أبي حنيفة : أن هذه المغيبات مما تختلف بالصغر و الكبر و الجودة و الرداءة اختلافا فاحشا فرؤية البعض منها لا تفيد العلم بحال البقية فأشبه الثياب و سائر العدديات المتفاوتة و لو قطع المشتري الكل بغير إذن البائع سقط خياره لأنه نقص المعقود عليه بالقلع لأنه كان ينمو في الأرض و يزيد و لا يتسارع إليه الفساد و بعد القلع لا ينمو و يتسارع إليه الفساد و انتقاص المعقود عليه في يد المشتري بغير صنعه يسقط الخيار و يلزم البيع فبصنعه أولى .
و كذا إذا قلع بعضه بغير إذنه لأنه نقص بعض المبيع و انتقاص بعض المبيع بنفسه يمنع رد الباقي فبصنعه أولى .
و إن قلع كله بإذن البائع أو بعضه أو قلع الباقي بنفسه لم يذكر الكرخي هذا الفصل و ينبغي أن لا يختلف الجواب فيه على قياس قول أبي حنيفة و محمد كما في البيع بشرط الخيار للمشتري إذا انتقص المبيع بفعل البائع إنه يسقط خيار المشتري عندهما و هو قول أبي يوسف الأول و في قوله الآخر لا يسقط .
و روى بشر عن أبي يوسف : أن المشتري إذا قلع البعض بإذن البائع أو قلع البائع بعضه أنه ينظر إن كان المغيب مما يباع بالكيل أو الوزن بعد القلع فقلع قدر ما يدخل تحت الكيل أو الوزن و رضي به يلزم البيع و يسقط خياره لأن الرضا ببعض المكيل بعد رؤيته رضا بالكل لأن رؤية بعضه تعرف حال الباقي إلا إذا كان المقلوع قليلا لا يدخل تحت الكيل فلا يسقط خياره لأن قلعه و الترك بمنزلة واحدة فكأنه لم يقلع منه شيئا .
و إن كان مما يباع عددا كالسلق و الفجل و نحوها فقلع بعضا منه فهو على خياره لأن رؤية البعض منه لا تفيد العلم بحال الباقي للتفاوت الفاحش بين الصغير و الكبير من هذا الجنس فلا يحصل المقصود برؤية البعض فيبقى على خياره و قال أبو يوسف : إذا اختلف البائع و المشتري في القلع فقال المشتري إني أخاف إن قلعته لا يصلح لي و لا أقدر على الرد و قال البائع إني أخاف إن قطعته لا ترضى به فمن تطوع منهما بالقلع جاز و إن تحاشا على ذلك فسخ القاضي العقد بينهما لأنهما إذا تحاشا فلا سبيل إلى الإجبار لما في الإجبار من الإضرار فتعذر التسليم فلم يكن في بقاء العقد فائدة فينفسخ و الله عز و جل أعلم هذا الذي ذكرنا بيان ما يسقط به الخيار بعد ثبوته في حق البصير فأما الأعمى إذا اشترى شيئا و ثبت له الخيار فإن خياره يسقط بما ذكرنا من الأسباب المسقطة لكن بعدما وجد منه ما يقوم مقام الرؤية و هو الجس فيما يجس و الذوق فيما يذاق و الشم فيما يشم و الوصف فيما يوصف كالدار و العقار و الثمار على رؤوس الأشجار و نحوها إذا كان الموصوف على ما وصف و كان ذلك في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير .
و روي عن الحسن بن زياد أنه قال يوكل بصير بالرؤية و تكون رؤية الوكيل قائمة مقام رؤيته .
وروى هشام عن محمد أنه يقوم من المبيع في موضع لو كان بصيرا لرآه ثم يوصف له لأن هذا أقصى ما يمكن و لو وصف له فرضي به ثم أبصر لا يعود الخيار لأن الوصف في حقه كالخلف عن الرؤية لعجزه عن الأصل و القدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالخلف لايبطل حكم الخلف كمن صلى بطهارة التيمم ثم قدر على الماء و نحو ذلك .
و لو اشترى البصير شيئا لم يره حتى ثبت له الخيار ثم عمي فهذا و الأعمى عند الشراء سواء لأنه ثبت له خيار الرؤية و هو أعمى فكانت رؤيته رؤية العميان و هي ما ذكرنا و الله عز و جل أعلم