بيان ما يبطل حق الفسخ و يلزم البيع .
و أما بيان ما يبطل حق الفسخ و يلزم البيع و يتقرر الضمان و ما لا يبطل و لا يلزم و لا يتقرر فنقول و بالله التوفيق : الفسخ في البيع الفاسد يبطل بصريح الإبطال و الإسقاط بأن يقول أبطلت أو أسقطت أو أوجبت البيع أو ألزمته لأن وجوب الفسخ عنه ثبت حقا لله تعالى دفعا للفساد و ما ثبت حقا لله تعالى خالصا لا يقدر العبد على إسقاطه مقصودا كخيار الرؤية لكن قد يسقط بطريق الضرورة بأن يتصرف العبد في حق نفسه مقصودا فيتضمن ذلك سقوط حق الله عز و جل بطريق الضرورة أو يفوت محل الفسخ أو غير ذلك .
و بيان ذلك في مسائل المشتري شراء فاسدا إذا باع المشتري أو وهبه أو تصدق به بطل حق الفسخ و على المشتري القيمة أو المثل لأنه تصرف في محل مملوك فنفذ تصرفه و لا سبيل للبائع على بعضه لأنه حصل عن تسليط منه و يطيب للمشتري الثاني لأنه ملكه بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول لأنه لا يطيب لأنه ملكه بعقد فاسد فرق بين هذا و بين ما إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فأخذ شيئا من أموالهم بغير إذنهم و أخرجه إلى دار الإسلام ثم باعه أنه يصح بيعه لكن لا يطيب للمشتري كما لا يطيب للآخذ .
و وجه الفرق أن عدم الطيب في المأخوذ من الحربي بغير إذنه لكونه مأخوذا على وجه الغدر و الخيانة و المأخوذ على هذا الوجه واجب الرد على صاحبه ردا للخيانة و بالبيع لم يخرج عن استحقاق الرد على مالكه لحصوله لا بتسليط من جهته فبقي واجب الرد كما كان و هذا يمنع الطيب بخلاف البيع الفاسد لأن انعدام الطيب للمشتري ههنا لقران الفساد به ذكرا لا حقيقة و لم يوجد ذلك في البيع الثاني و خرج المبيع من أن يكون مستحق الرد على البائع لحصول البيع من المشتري بتسليطه و الله عز و جل أعلم .
و لو باعه فرد عليه بخيار شرط أو رؤية أو عيب بقضاء قاض و عاد على حكم الملك الأول عاد حق الفسخ لأن الرد بهذه الوجوه فسخ محض فكان دفعا للعقد من الأصل و جعلا له كأن لم يكن .
و لو اشتراه ثانيا أو عاد إليه بسبب مبتدأ لا يعود الفسخ لأن الملك اختلف لاختلاف السبب فكان اختلاف الملكين بمنزلة اختلاف العقدين و لو أعتقه المشتري أو دبره بطل حق الفسخ لما قلنا و لأن الإعتاق و التدبير كل واحد منهما تصرف لا يحتمل الفسخ بعد صحته يوجب بطلان حق الاسترداد و الفسخ ضرورة .
و كذلك لو استولدها لما قلنا و تصير الجارية أو ولد المشتري لأن الاستيلاد قد صح لحصوله في ملكه و على المشتري قيمة الجارية لتعذر الرد بالاستيلاد فصار كما لو هلكت في يده و هل يغرم العقر ذكر في البيوع أنه لا يغرم و في الشرب روايتان : و الصحيح أنه لا يضمن العقر لأنه وطىء ملك نفسه و قد تقرر ملكه بالاستيلاد لتعذر الرد .
و لو وطئها المشتري و لم يعلقها لا يبطل حق الفسخ و للبائع أن يسترد الجارية مع عقرها باتفاق الروايات فرق بين هذا و بين الجارية الموهوبة إذا وطئها الموهوب له و أعتقها ثم رجع الواهب في هبته و أخذ الجارية أن الموهوب له لا يضمن العقر .
و وجه الفرق : أن الثابت بالهبة ملك محلل للوطء و بالرجوع لم يتبين أن حل الوطء لم يكن فكان مستمتعا بملك نفسه فلا عقر عليه بخلاف البيع الفاسد لأن الملك الثابت به لا يظهر في حق حل الوطء فكان الوطء حراما إلا أنه سقط عنه الحد للشبهة فوجب العقد .
و كذلك لو كاتبه لأن الكتابة قد صحت لوجودها في الملك و لا سبيل للبائع إلى نقضها لحصولها من المشتري بتسليط البائع فلا يكون له حق النقض عليه و على المشتري قيمة العبد فإن أدى بدل الكتابة و عتق تقرر على المشتري ضمان القيمة و إن عجز ورد في الرق ينظر إن كان ذلك قبل القضاء بالقيمة على المشتري فللبائع أن يسترده لأنه كان مستحق الرد قبل الكتابة لعدم لزوم الملك إلا أنه امتنع الرد لعارض الكتابة فإن عجز ورد في الرق قبل القضاء بالقيمة فقد زال العارض و التحق بالعدم كأنه لم يكن فعاد مستحق الرد على المشتري كما كان و إن كان بعد ما قضى عليه بالقيمة لا سبيل للبائع على العبد لأنه بالقضاء بالقيمة تقرر ملك المشتري في العبد و لزم من وقت وجوده فيعود إليه لازما و الملك اللازم لا يحتمل الفسخ و الله عز و جل أعلم .
و كذلك لو رهنه المشتري بطل حق الفسخ و ولاية الاسترداد لما ذكرنا و لو افتكه المشتري فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الكتابة و لو أجره صحت الإجارة لما قلنا و لكن لا يبطل حق الفسخ لأن الإجارة و إن كانت عقدا لازما إلا أنها تفسخ بالعذر و لا عذر أقوى من رفع الفساد فتنفسخ به و سلمت الأجرة للمشتري لأن المنافع على أصل أصحابنا لا تتقوم إلا بالعقد و العقد وجد من المشتري فكانت الأجرة له و هل تطيب له ينظر إن كان قد أدى ضمان القيمة ثم آجر طابت الأجرة له لأن الضمان بدل المضمون قائم مقامه فكانت الأجرة ربح ما قد ضمن .
و إن آجر ثم أدى الضمان لا تطيب له لأنها ربح ما لم يضمن و لو أوصى به صحت الوصية لما قلنا ثم إن كان الموصي حيا بعد فللبائع حق الاسترداد لأن الوصية تصرف غير لازم حال حياة الموصي بل محتمل و إن مات بطل حقه لأن الثابت للموصى له ملك جديد بخلاف الثابت للوارث بأن مات المشتري شراء فاسدا لأنه لا يبطل حق الفسخ و للبائع أن يسترد من ورثته .
و كذا إذا مات فلورثته ولاية الاسترداد لأن الثابت للوارث عين ما كان للمورث و إنما هو خلفه قائم مقامه و لهذا يرد الوارث بالعيب و يرد عليه و ملك المورث مضمون الرد مستحق الفسخ بخلاف الموصى له فإن الثابت ملك جديد حصل بسبب جديد و لهذا لم يرد بالعيب ولا يرد عليه و أنه لم يكن مستحق الفسخ .
و لو ازداد المبيع في يد المشتري فإن كانت الزيادة متصلة متولدة من الأصل كالسمن و الجمال فإنها لا تمنع الفسخ لأن هذه الزيادة تابعة للصل حقيقة و الأصل مضمون الرد فكذلك التبع كما في الغصب و إن كانت غير متولدة من الأصل كما إذا كان المبيع سويقا فلته المشتري بعسل أو سمن فإنها تمنع الفسخ لأنه لو فسخ إما أن يفسخ على الأصل وحده و إما أن يفسخ على الأصل و الزيادة جميعا لا سبيل إلى الأول لتعذر الفصل و لا سبيل إلى الثاني لأن الزيادة لم تدخل تحت البيع لا أصلا و لا تبعا فلا تدخل تحت الفسخ .
و إن كانت منفصلة فإن كانت متولدة من الأصل كالولد و اللبن و الثمرة لا تمنع الفسخ و للبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة تابعة للأصل لكونها متولدة منه .
و الأصل مضمون الرد فكذا كما في باب الغصب و كذا لو كانت الزيادة أرشا أو عقرا لأن الأرش بدل جزء فائت من الأصل حقيقة كالمتولد من الأصل و العقر بدل حالة الجزء و العين فكأنه متولد من العين ثم في فصل الولد إذا كانت الجارية في يد المشتري فإن نقصتها الولادة و بالولد وفاء بالنقصان ينجز النقصان بالولد عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر كما في الغصب و سنذكر المسألة في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى .
و إن لم تنقصها الولادة استردها البائع و لا شيء على البائع و إن نقصتها و ليس بالولد وفاء بالنقصان ردها مع ضمان النقصان كما في الغصب و إن هلك الولد قبل الرد لا ضمان على المشتري بالزيادة كما في الغصب و عليه ضمان نقصان الولادة كما في الغصب .
و لو استهلك المشتري الزياددة ضمن كما في الغصب و لو هلك المبيع و الزيادة قائمة فللبائع أن يسترد الزيادة و يضمن قيمة المبيع وقت القبض لنهما كانا مضموني الرد إلا أنه تعذر استرداد المبيع لفوات المحل و صار مضمون القيمة فبقي الولد على حاله مضمون الرد كما كان .
و إن كانت الزيادة غير متولدة من الأصل كالهبة و الصدقة و الكسب فإنها لا تمنع الرد و للبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة لأن الصل مضمون الرد و بالرد ينفسخ العقد من الأصل فتبين ان الزيادة حصلت على ملكه إلا أنها لا تطيب له لأنها لم تحدث في ضمانه بل في ضمان المشتري فكانت في معنى ربح مالم يضمن و لو هلكت هذه الزيادة في يد المشتري لا ضمان عليه لأن المبيع بيعا فاسدا مضمون بالقبض و القبض لم يرد على الزيادة لا اصلا و لا تبعا أما أصلا فلانعدامها عند القبض و أما تبعا فلأنها ليست بتابعة حقيقة بل هي أصل بنفسها ملكت بسبب على حدة لا بسبب على حدة لا بسبب الأصل .
و إن استهلكها المشتري فكذلك عند أبي حنيفة لا ضمان عليه و عندهما يضمن و أصل المسألة في الغصب أنه إذا استهلك الغاصب هذه الزيادة هل يضمن عنده لا يضمن و عندهما يضمن و نذكر المسألة في كتاب الغصب إن شاء الله .
و لو هلك المبيع و هذه الزيادة قائمة في يد المشتري تقرر عليه ضمان قيمة المبيع و الزيادة للمشتري تقرر ضمان القيمة بخلاف المتولد كما في الغصب و الفرق بين الزيادتين يذكر في الغصب إن شاء الله تعالى .
هذا إذا زاد المبيع في يد المشتري شراء فاسدا فأما إذا انتقص في يده فإن كان النقصان بآفة سماوية فإنه لا يمنع الاسترداد و للبائع أن يأخذه مع أرش النقصان لأن المبيع بيعا فاسدا يضمن بالقبض كالمغصوب و القبض ورد عليه بجميع أجزائه فصار مضمونا بجميع أجزائه و الأوصاف تضمن بالقبض و إن كانت لا تضمن بالعقد كما في قبض المغصوب .
و كذلك إذا كان النقصان بفعل المبيع لأن هذا و النقصان بآفة سماوية سواء و إن كان النقصان بفعل المشتري فكذلك لأنه لو انتقص بغير صنعه كان مضمونا عليه فبصنعه أولى .
و إن كان بفعل أجنبي فالبائع بالخيار إن شاء أخذ الأرش من المشتري يرجع به على الجاني و إن شاء اتبع الجاني و هو لا يرجع على المشتري كما في الغصب لأنه أخذ قيمة النقصان من المشتري فقد تقرر ملكه في ذلك الجزء من وقت البيع فيه فتبين أن الجناية حصلت على ملك متقرر له فيرجع عليه و الأجنبي لم يملك فلا يرجع .
و لو قتله أجنبي فللبائع أن يضمن المشتري قيمته حالة القبض و لا سبيل له على القاتل و يرجع المشتري على عاقله القاتل بقيمة في ثلاث سنين فرق ههنا بين البيع و بين الغصب فإنه لو قتل المغصوب في يد الغاصب قاتل فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الغاصب قيمته حالة الغصب و الغاصب يرجع على عاقلة القاتل في ثلاث سنين و إن شاء ضمن عاقلة القاتل قيمته في ثلاث سنين و هم لا يرجعون على الغاصب .
و وجه الفرق : أن الأجنبي جنى على ملك المشتري لأنه ملك المبيع بالقبض و تقرر ملكه فيه بالجناية لا على ملك البائع فلا يملك البائع تضمينه بخلاف الغصب فإن الغاصب لا يملك المغصوب إلا بتضمين المغصوب منه إياه فقبله لا ملك له فيه فكان القتل جناية على ملك المالك و القبض جناية على ملكه أيضا فكان له خيار التضمين .
و إن كان النقصان بفعل البائع لا شيء على المشتري لأنه صار مستردا بفعله حتى إنه لو هلك المبيع في يد المشتري و لم يوجد منه حبس على البائع يهلك على البائع و إن وجد منه حبس ثم هلك ينظر إن هلك من سراية جناية البائع لا ضمان على المشتري أيضا لأنه صار مستردا بفعله و إن هلك لا من سراية جناية البائع فعلى المشتري ضمانه لكن يطرح منه حصة النقصان بالجناية لأنه استرد ذلك القدر بجنايته .
و لو قتله البائع لا ضمان على المشتري لأنه استرده بالقتل و كذلك لو حفر البائع بئرا فوقع فيه و مات لأن ذلك في معنى القتل فيصير مستردا و الله عز و جل أعلم .
و لو كان المبيع ثوبا فقطعه المشتري و خاطه قميصا أو بطنه و حشاه بطل حق الفسخ و تقرر عليه قيمته يوم القبض و الأصل في هذا أن المشتري إذا أحدث في المبيع صنعا لو أحدثه الغاصب في المغصوب لا يقطع حق المالك يبطل حق الفسخ و يتقرر حقه في ضمان القيمة أو المثل كما إذا كان المبيع قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو حنطة فطحنها أو سمسما أو عنبا فعصره أو ساحة فبنى عليها أو شاة فذبحها و شواها أو طبخها و نحو ذلك و إنما كان كذلك لأن القبض في البيع الفاسد كقبض الغصب ألا ترى أن كل واحد منهما مضمون الرد حال قيامه و مضمون القيمة أو المثل حال هلاكه فكل ما يوجب انقطاع حق المالك هنا يوجب انقطاع حق البيع للبائع ههنا .
و لو كان المبيع ثوبا فصبغه المشتري بصبغ يزيد من الأحمر و الأصفر و نحوهما ذكر الكرخي أنه ينقطع حق البائع عنه إلى القيمة .
و روي عن محمد أن البائع بالخيار إن شاء أخذه و اعطاه ما زاد الصبغ فيه و إن شاء ضمنه قيمته و هو الصحيح لأن القبض بحكم البيع الفاسد كقبض الغصب ثم الجواب في الغصب هكذا إن المالك بالخيار إن شاء أخذ الثوب و أعطى الغاصب ما زاد الصبغ فيه و إن شاء ضمنه فكذا هذا و الله عز و جل أعلم .
و لو كان المبيع أرضا فبني عليها بطل حق الفسخ عند أبي حنيفة و على المشتري ضمان قيمتها وقت القبض و عندهما لا يبطل و ينقض البناء .
وجه قولهما : أن هذا القبض معتبر بقبض الغصب ثم هناك ينقض البناء فكذا ههنا و لأن البناء ينقض بحق الشفيع بالإجماع و حق البائع فوق حق الشفيع بدليل أن الشفيع لا يأخذ إلا بقضاء و البائع يأخذ من غير قضاء و لا رضا فلما نقض لحق الشفيع فلحق البائع أولى .
وجه قول أبي حنيفة : أنه لو ثبت حق الاسترداد لكان لا يخلو إما أن يسترده مع البناء أو بدون البناء لا سبيل إلى الثاني لأنه لا يمكن و لا سبيل إلى الأول لأن البناء من المشتري تصرف حصل بتسليط البائع و إنه يمنع النقص كتصرف البيع و الهبة و نحو ذلك بخلاف الغصب و الشفعة لأن هناك لم يوج التسليط على البناء و كذا لا يمنعان نقض البيع و الهبة .
و منها : أن الثابت بالبيع الفاسد ملك مضمون بالقيمة أو بالمثل لا بالمسمى بخلاف البيع الصحيح لأن القيمة هي الموجب الأصلي في البياعات لأنها مثل المبيع في المالية إلا أنه يعدل عنها إلى المسمى إذا صحت التسمية فإذا لم تصح وجب المصير إلى الموجب الأصلي خصوصا إذا كان الفساد من قبل المسمى لأن التسمية إذا لم تصح لم يثبت المسمى فصار كأنه باع و سكت عن ذكر الثمن و لو كان كذلك كان مبيعا بقيمة المبيع لأن البيع مبادلة بالمال فإذا لم يذكر البدل صريحا صارت القيمة أو المثل مذكورا دلالة فكان بيعا بقيمة المبيع أو بمثله إن من كان قبيل الأمثال .
و منها : أن هذا الملك يفيد المشتري انطلاق تصرف ليس فيه انتفاع بعين المملوك بلا خلاف بين أصحابنا كالبيع و الهبة و الصدقة و الإعتاق و التدبير و الكتابة و الرهن و الإجارة و نحو ذلك مما ليس فيه انتفاع بعين المبيع .
و أما التصرف الذي فيه انتفاع بعين المملوك كأكل الطعام و لبس الثوب و ركوب الدابة و سكنى الدار و الاستمتاع بالجارية فالصحيح أنه لا يحل لأن الثابت بهذا البيع ملك خبيث و الملك الخبيث لا يفيد إطلاق الانتفاع لأنه واجب الرفع و في الانتفاع به تقرر له و فيه تقرير الفساد و لهذا لم يفسد الملك قبل القبض تحرزا عن تقرير الفساد بالتسليم على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
و لو كان المشترى دارا لا يثبت للشفيع فيها حق الشفعة و إن كان يفيد الملك للمشتري لأن حق البائع لم ينقطع و الشفعة إنما تجب بانقطاع حق البائع لا بثبوت الملك للمشتري ألا ترى أن من أقر ببيع داره من فلان و فلان منكر ثبت الشفعة و إن لم يثبت الملك للمشتري لانقطاع حق البائع بإقراره و ههنا حق البائع غير منقطع فلا تثبت الشفعة حتى لو وجد ما يوجب انقطاع حقه تجب الشفعة .
و لو بيعت دار بجنب الدار المشتراة شراء فاسدا تثبت الشفعة لأن هذا الشراء صحيح فيوجب انقطاع حق البائع فيثبت حق الشفعة و الله عز و جل أعلم و لو وطىء الجارية المشتراة شراء فاسدا فإن لم يعقلها فلا عقر عليه قبل الفسخ و إن فسخ العقد فعليه العقر و إن أعلقها و من قيمة الجارية ففي وجوب العقر روايتان على ما ذكرنا .
و أما شرائطه فاثنان أحدهما القبض فلا يثبت الملك قبل القبض لأنه واجب الفسخ رفعا للفساد و في وجوب الملك قبل القبض تقرر الفساد لأنه إذا ثبت الملك قبل القبض يجب على البائع تسليمه إلى المشتري و في التسليم تقرير الفساد و إيجاب رفع الفساد على وجه فيه رفع الفساد متناقض و الثاني أن يكون القبض بإذن البائع فإن قبض بغير إذنه أصلا لا يثبت الملك بأن نهاه عن القبض أو قبض بغير محضر منه من غير إذنه فإن لم ينهه و لا أذن له في القبض صريحا فقبضه بحضرة البائع ذكر في الزيادات أنه يثبت الملك و ذكر الكرخي في الرواية المشهورة إنه لا يثبت .
وجه رواية الزيادات أنه إذا قبض بحضرته و لم ينهه كان ذلك إذنا منه بالقبض دلالة مع ما أن العقد الثابت دلالة الإذن بالقبض لأنه تسليط له على القبض فكأنه دليل الإذن بالقبض و الإذن بالقبض قد يكون صريحا و قد يكون دلالة كما في باب الهبة إذا قبض الموهوب له بحضرة الواهب فلم ينهه صح قبضه كذا ههنا وجه الرواية المشهورة أن الإذن بالقبض لم يوجد نصا و لا سبيل إلى إثباته بطريق الدلالة لما ذكرنا أن في القبض تقرير الفساد فكان الإذن بالقبض إذنا بما فيه تقرير الفساد فلا يمكن إثباته بطريق الدلالة .
و به تبين أن العقد الفاسد لا يقع تسليطا على القبض لوجود المانع من القبض على ما بينا بخلاف الهبة لأن هناك لا مانع من القبض فأمكن إثباته بطريق الدلالة ما دام المجلس قائما و إنما شرط المجلس لأن القبض في الهبة بمنزلة الركن فيشترط له المجلس كما يشترط للقبول و الله عز و جل أعلم