البيع الباطل .
و أما البيع الباطل فهو كل بيع فاته شرط من شرائط الانعقاد من الأهلية و المحلية و غيرهما و قد ذكرنا جملة ذلك في صدر الكتاب و لا حكم لهذا البيع أصلا لأن الحكم للموجود و لا وجود لهذا البيع إلا من حيث الصورة لأن التصرف الشرعي لا وجود له بدون الأهلية و المحلية شرعا كما لا وجود للتصرف الحقيقي إلا من الأهل في المحل حقيقة و ذلك نحو بيع الميتة و الدم و العذرة و البول و بيع الملاقيح و المضامين و كل ما ليس بمال و كذا بيع صيد الحرم و الإحرام لأنه بمنزلة الميتة و كذا بيع الحر لأنه ليس بمال و كذا بيع أم الولد و المدبر و المكاتب و المستسعى لأن أم الولد حرة من وجه و كذا المدبر فلم يكن مالا مطلقا و المكاتب حر يدا فلم يكن مالا على الإطلاق و المستسعى عند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب و عندهما حر عليه دين و كذا بيع الخنزير من المسلم لأنه ليس بمال في حق المسلم و كذا بيع الخمر لأنها ليست بمتقومة في حق المسلم لأن الشرع أسقط تقومها في حق المسلمين حيث أهانها عليهم فيبطل و لا ينعقد لأنه لو انعقد إما أن ينعقد بالمسمى و إما أن ينعقد بالقيمة لا سبيل إلى الأول لأن التسمية لم تصح و لا سبيل إلى الثاني لأنه لا قيمة له إذ التقويم يبنى عن العزة و الشرع أهان المسمى على المسلم فكيف ينعقد بقيمته و لا قيمة له و إذا لم ينعقد يبطل ضرورة .
و من مشايخنا من فصل في بيع الخمر تفصيلا فقال إن كان الثمن دينا بأن باعها بدراهم فالبيع باطل و إن كان عينا بأن باعها بثوب و نحوه فالبيع فاسد في حق الثوب و ينعقد بقيمة الثوب لأن مقصود العاقدين ليس هو تملك الخمر و تمليكها لأنها لا تصلح للتملك و التمليك في حق المسلم مقصود بل تمليك الثوب و تملكه لأن الثوب يصلح مقصودا بالتملك و التمليك فالتسمية إن لم تظهر في حق الخمر تظهر في حق الثوب ولا مقابل له فيصير كأن المشتري باع الثوب و لم يذكر الثمن فينعقد بقيمته بخلاف ما إذا كان الثمن دينا لأن الثمن يكون في الذمة و ما في الذمة لا يكون مقصودا بنفسه بل يكون وسيلة إلى المقصود فتصير الخمر مقصودة بالتمليك و التملك فيبطل أصلا .
و أما بيع الخمر و الخنزير فلا يبطل بل يفسد و ينعقد بقيمة العبد لأن العبد مال متقوم .
و كذا الخمر و الخنزير في حق أهل الذمة و الخمر مال في حقنا إلا أنه لا قيمة لها شرعا فإذا جعل الخمر و الخنزير ثمنا فقد ذكر ما هو مال و كون الثمن مالا في الجملة أو مرغوبا فيه عند الناس بحيث لا يؤخذ مجانا بلا عوض يكفي لانعقاد العقد لأن البيع مبادلة المال بالمال أو مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب إلا أن كون المعقود عليه متقوما شرط الانعقاد و قد وجد و كذا بيع العبد و المدبر و أم الولد و المكاتب و المستسعى لأن هذه الأموال في الجملة مرغوب فيها فينعقد بقيمة العبد و كذا بيع العبد بما يرعى إبله من أرضه من الكلأ أو بما يشرب من ماء بئره لأن المذكور ثمنا مال متقوم إلا أنه مباح غير مملوك و كذا هو مجهول أيضا فانعقد بوصف الفساد بقيمة البيع .
و اختلف مشايخنا في بيع العبد بالميتة و الدم قال عامتهم يبطل و قال بعضهم يفسد و الصحيح أنه يبطل لأن المسمى ثمنا ليس بمال أصلا و كون الثمن مالا في الجملة شرط الانعقاد .
و كذا اختلفوا فيما إذا قال بعت بغير ثمن قال بعضهم يبطل و إليه ذهب الكرخي من أصحابنا و قال بعضهم يفسد و لا يبطل كما إذا باع و سكت عن ذكر الثمن و قد ذكرنا وجه كل واحد من القولين فيما تقدم .
ثم إذا باع مالا بما ليس بمال حتى بطل البيع فقبض المشتري المال بإذن البائع هل يكون مضمونا عليه أو يكون أمانة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكون أمانة لأنه مال قبضه بإذن صاحبه في عقد وجد صورة لا معنى فالتحق العقد بالعدم و بقي إذنه بالقبض و قال بعضهم يكون مضمونا عليه لأن المقبوض على حكم هذا البيع لا يكون دون المقبوض على سوم الشراء و ذلك مضمون فهذا أولى .
و أما البيع الموقوف فهو بيع مال الغير بغير إذن صاحبه و هو المسمى ببيع الفضولي و لا حكم له يعرف للحال لاحتمال الإجازة و الرد من المالك فيتوقف في الجواب في الحال لا أن يكون التوقف حكما شرعيا و قد ذكرنا حكم تصرفات الفضولي ما يبطل منها و ما يتوقف فيما تقدم و الله عز و جل أعلم