شرائط صحة الإقالة .
و أما شرائط صحة الإقالة فمنها رضا المتقايلين أما على أصل أبي يوسف فظاهر لأنه بيع مطلق و الرضا شرط صحة البياعات .
و أما على أصل أبي حنيفة و محمد و زفر : فلأنها فسخ العقد و لم ينعقد على الصحة إلا بتراضيهما أيضا و منها المجلس لما ذكرنا أن معنى البيع موجود فيشترط لها المجلس كما يشترط للبيع .
و منها : تقابض بدلي الصرف في إقالة الصرف و هذا على أصل أبي يوسف ظاهر و كذلك على أصل أبي حنيفة لأن قبض البدلين إنما وجب حقا لله تعالى ألا ترى أنه لا يسقط بإسقاط العبد و الإقالة على أصله و إن كانت فسخا في حق العاقدين فهي بيع جديد في حق ثالث فكان حق الشرع في حكم ثالث فيجعل بيعا في حقه .
و منها : أن يكون المبيع بمحل الفسخ بسائر أسباب الفسخ كالرد بخيار الشرط و الرؤية و العيب عند أبي حنيفة و زفر فإن لم يكن بأن ازداد زيادة تمنع الفسخ بهذه الأسباب لا تصح الإقالة عندهما و عند أبي يوسف و محمد هذا ليس بشرط أما على أصل أبي حنيفة و زفر فظاهر لأن الإقالة عندهما فسخ للعقد فلا بد و أن يكون المحل محتملا للفسخ فإذا خرج عن احتمال الفسخ خرج عن احتمال الإقالة ضرورة .
و أما على أصل أبي يوسف فلأنها بعد القبض بيع مطلق و هو بعد الزيادة محتمل للبيع فبقي محتملا للإقالة و أما على أصل محمد و إن كانت فسخا لكن عند الإمكان و لا إمكان ههنا لأنا لو جعلناها فسخا لم يصح و لو جعلناها بيعا لصحت فجعل بيعا لضرورة الصحة فلهذا اتفق جواب محمد مع جواب أبي يوسف في هذا الفصل .
و منها : قيام المبيع وقت الإقالة فإن كان هالكا وقت الإقالة لم تصح فأما قيام الثمن وقت الإقالة فليس بشرط .
و وجه الفرق : أن إقالة البيع رفعه فكان قيامها بالبيع و قيام البيع بالمبيع لا بالثمن لأنه هو المعقود عليه على معنى أن العقد ورد عليه على الثمن لأنه يرد على المعين و المعين هو المبيع لا الثمن لأنه لا يحتمل التعيين و إن عين لأنه اسم لما في الذمة فلا يتصور إيراد العقد عليه دل أن قيام البيع بالمبيع لا بالثمن فإذا هلك لم يبق محل حكم البيع فلا يبقى حكمه فلا يتصور الإقالة التي هي رفع حكم البيع في الحقيقة و إذا هلك الثمن فمحل حكم البيع قائم فتصح الإقالة .
و على هذا يخرج ما إذا تبايعا عينا بدين كالدراهم و الدنانير عينا أو لم يعينا و الفلوس و المكيل و الموزون و العدديات المتقاربة الموصوفة في الذمة ثم تقايلا أنهما إن تقايلا و العين قائمة في يد المشتري صحت الإقالة سواء كان الثمن قائما في يده أو هالكا لقيام حكم البيع بقيام المعقود عليه و إن تقايلا بعد هلاك العين لم تصح و كذا إن كانت قائمة وقت الإقالة ثم هلكت قبل الرد على البائع بطلت الإقالة سواء كان الثمن قائما أو هالكا لأن الإقالة فيها معنى البيع .
ألا ترى أن بعد الإقالة وجب على كل واحد منهما رد ما في يده على صاحبه فكان هلاك البيع بعد الإقالة قبل القبض كهلاكه بعد البيع قبل القبض فإنه يوجب بطلان البيع كذا هذا سواء بقي الثمن أو هلك لأنه إذا لم يتعين فقيامه و هلاكه بمنزلة واحدة .
و كذا إذا كان المبيع عبدين و تقابضا ثم هلكا ثم تقايلا أنه لا تصح الإقالة لما ذكرنا أن المعقود عليه إذا هلك لم يبق محل الفسخ بالإقالة وكذا لو كان أحدهما هالكا وقت الإقالة و الآخر قائما و صحت الإقالة ثم هلك القائم قبل الرد بطلت الإقالة لأنه هلك المعقود عليه قبل القبض على ما بينا .
و لو تبايعا عينا بعين و تقابضا ثم هلكت إحداهما في يد مشتريها ثم تقايلا صحت الإقالة و على مشتري الهالك قيمة الهالك إن لم يكن له مثل و مثله إن كان له مثل فيسلمه إلى صاحبه و يسترد منه العين لأن كل واحد منهما مبيع على حدة لقيام العقد في كل واحد منهما ثم خرج الهالك من أن يكون قيام العقد به فيقوم بالآخر : و إذا بقي المبيع بقي محل الفسخ فيصح أو نقول المبيع أحدهما و الآخر ثمن إذ المبيع لا بد له من الثمن فإذا هلك أحدهما تعين الهالك للثمن و القائم للمبيع لما فيه من تصحيح العقد و في القلب إفساده فكان التصحيح أولى فبقي البيع ببقاء المبيع فاحتمل الإقالة .
وكذلك لو تقايلا و العينان قائمتان ثم هلك أحدهما بعد الإقالة قبل الرد لا تبطل الإقالة لأن هلاك إحداهما قبل الإقالة لما لم يمنع صحة الإقالة فهلاكها بعد الإقالة لا يمنع بقاءها على الصحة من طريق الأولى لأن البقاء أسهل من الابتداء و هذا بخلاف بيع العرض بالعرض أنه لا ينعقد بأحد العرضين ابتداء و إذا انعقد بهما ثم هلك أحدهما قبل القبض يبطل البيع لأن البيع مبادلة المال بالمال فلا ينعقد بأحد البدلين و يبطل بهلاك أحد العرضين قبل القبض لأن كل واحد من العرضين مبيع و هلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع .
فأما الإقالة فرفع البيع فتستدعي بقاء حكم البيع و قد بقي ببقاء أحدهما و على هذا تخرج إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه أنها جائزة سواء كان رأس المال دينا أو عينا و سواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا لأن المبيع هو المسلم فيه و أنه قائم و هذا لأن المسلم فيه و إن كان دينا حقيقة فله حكم العين حتى لا يجوز استبداله قبل القبض فكان كالمعقود عليه و أنه قائم فوجد شرط صحة الإقالة و إذا صحت فإن كان رأس المال عين مال قائمة رده المسلم إليه بعينه و إن كانت هالكة فإن كان مما له مثل رد مثله و إن كان مما لا مثل له رد قيمته و إن كان دينا رد مثله قائما كان أو هالكا لأنه لا يتعين بالتعيين فهلاكه و قيامه سواء و كذلك لو كانت الإقالة بعد قبض المسلم فيه و إنه قائم في يد رب السلم أنه تصح الإقالة ثمة لأنها صحت حال كونه دينا حقيقة فحال صيرورته عينا بالقبض أولى .
و إذا صحت فعلى رب السلم رد عين المقبوض لأن المقبوض بعقد السلم كأنه عين ما ورد عليه العقد بدليل أنه يجوز بيعه مرابحة على رأس المال و المرابحة بيع ما اشتراه البائع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح و إذا كان المقبوض عين ما ورد عليه العقد في التقدير و الحكم وجب رد عينه في الإقالة .
و لو اشترى عبدا بنقرة أو بمصوغ وتقابضا ثم هلك العبد في يد المشتري ثم تقايلا و الفضة قائمة في يد البائع صحت الإقالة لأن كل واحد منهما مبيع لتعينه بالتعيين فكان معقودا عليه فيبقى البيع ببقاء أحدهما و على البائع رد عين الفضة و يسترد من المشتري قيمة العبد لكن ذهبا لا فضة لأن الإقالة وردت على قيمة العبد فلو استرد قيمته فضة و القيمة تختلف فتزداد أو تنقص فيؤدي إلى الربا و لو كان العبد قائما وقت الإقالة ثم هلك قبل الرد على البائع فعلى البائع أن يرد الفضة و يسترد قيمة العبد إن شاء ذهبا و إن شاء فضة لأن الإقالة ههنا وردت على عين العبد ثم وجبت القيمة على المشتري بدلا للعبد و لا ربا بين العبد و قيمته و الله تعالى أعلم