ما يرجع إلى المحيل .
أما الذي يرجع إلى المحيل فأنواع : .
منها : أن يكون عاقلا فلا تصح حوالة المجنون و الصبي الذي لا يعقل من شرائط أهلية التصرفات كلها و منها : أن يكون بالغا و هو شرط النفاذ دون الانعقاد فتنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفا نفاذه على إجازة وليه لأن الحوالة إبراء بحالها و فيها معنى المعاوضة بمالها خصوصا إذا كانت مقيدة فتنعقد من الصبي كالبيع و نحوه فأما حرية المحيل فليست بشرط لصحة الحوالة حتى تصح حوالة العبد مأذونا كان في التجارة أو محجورا لأنها ليست بتبرع بالتزام شيء كالكفالة فيملكها العبد غير أنه إن كان مأذونا في التجارة رجع عليه المحال عليه للحال إذا أدى و لم يكن للعبد عليه دين مثله و يتعلق برقبته و إن كان محجورا يرجع عليه بعد العتق و كذا الصحة ليست بشرط لصحة الحوالة لأنها من قبل المحيل ليست بتبرع فتصح من المريض .
و منها : رضا المحيل حتى لو كان مكرها على الحوالة لا تصح لأن الحوالة إبراء فيها معنى التمليك فتفسد بالإكراه كسائر التمليكات .
و أما الذي يرجع إلى المحال فأنواع منها العقل لما ذكرنا و لأن قبوله ركن و غير العاقل لا يكون من أهل القبول .
و منها : البلوغ و أنه شرط النفاذ لا شرط الانعقاد فينعقد احتياله موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني أملا من الأول و كذا الوصي إذا احتال بمال اليتيم لا تصح إلا بهذه الشريطة لأنه منهي عن قربان ماله إلا على وجه الأحسن للآية الشريفة فيه { و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } و منها الرضا حتى لو احتال مكرها لا تصح لما ذكرنا و منها مجلس الحوالة و هو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف شرط النفاذ حتى أن المحتال لو كان غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لا ينفذ عندهما و عند أبي يوسف ينفذ و الصحيح قولهما لأن قبوله من أحد الأركان الثلاثة فكان كلامهما بدون شرط العقد فلا يقف على غائب عن المجلس كما في البيع .
و أما الذي يرجع إلى المحال عليه فأنواع أيضا منها العقل فلا يصح من المجنون و الصبي الذي لا يعقل قبول الحوالة أصلا لما ذكرنا و منها البلوغ و إنه شرط الانعقاد أيضا فلا يصح من الصبي قبول الحوالة أصلا لما ذكرنا و إن كان عاقلا سواء كان محجورا عليه أو مأذونا في التجارة و سواء كانت الحوالة بغير أمر المحيل أو بأمره أمر المجتهد .
أما إذا كانت بغير أمره فظاهر لأنه لا يملك الرجوع على المحيل فكان تبرعا بابتدائه و انتهائه و كذلك إذا كانت بأمره لأنه تبرع بابتدائه فلا يملكه الصبي محجورا كان أو مأذونا في التجارة كالكفالة و إن قبل عنه وليه لا يصح أيضا لأنه من التصرفات الضارة فلا يملكه الولي .
و منها : الرضا حتى لو أكره على قبول الحوالة لا يصح .
و منها : المجلس و إنه شرط الانعقاد عندهما لما ذكرنا في جانب المحيل .
و أما الذي يرجع إلى المحال به فنوعان : .
أحدهما : أن يكون دينا فلا تصح الحوالة بالأعيان القائمة لأنها نقل ما في الذمة و لم يوجد .
و الثاني : أن يكون لازما فلا تصح الحوالة من غير لازم كبدل الكتابة و ما يجري مجراه لأن ذلك دين تسمية لا حقيقة إذ المولى لا يجب له على عبده دين و الأصل أن كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به .
و أما وجوب الدين على المحال عليه للمحيل قبل الحوالة فليس شرط لصحة الحوالة حتى تصح الحوالة سواء كان للمحيل على المحال عليه دين أو لم يكن و سواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة .
و الجملة فيه أن الحوالة نوعان : مطلقة و مقيدة فالمطلقة أن يحيل بالدين على فلان و لا يقيده بالدين الذي عليه و المقيدة أن يقيده بذلك و الحوالة بكل واحدة من النوعين جائزة لقوله عليه الصلاة السلام : .
[ من أحيل على مليء فليتبع ] من غير فصل إلا أن الحوالة المطلقة تخالف الحوالة المقيدة في أحكام منها إذا أطلق الحوالة و لم يكن له على المحال عليه دين فإن المحال عليه دين فإن المحال يطلب المحال عليه بدين الحوالة لا غير و إن كان له عليه دين فإن المحال عليه يطالب بدينين دين الحوالة و دين المحيل فيطالبه المحال بدين الحوالة و يطالبه المحيل بالدين الذي له عليه و لا ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه بسبب الحوالة لأن الحوالة لم تتقيد بالدين الذي للمحال عليه لأنها وجدت مطلقة عن هذه الشريطة فيتعلق دين الحوالة بنعته و دين المحيل بقي على حاله و إذا قيدها بالدين الذي عليه ينقطع حق مطالبة المحيل لأنه قيد الحوالة بهذا الدين فيتقيد به و يكون ذلك الدين بمنزلة الرهن عنده و إن لم يكن رهنا على الحقيقة .
و منها : أنه لو ظهرت براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت به الحوالة بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع تبطل الحوالة و لو سقط عنه الدين لمعنى عارض بأن هلك المبيع عند البائع قبل التسليم بعد الحوالة حتى سقط الثمن عنه لا تبطل الحوالة عنه لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما أدى على المحيل لأنه قضى دينه بأمره و لو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة لا يبطل لأنه لما قيد الحوالة به فقد تعلق الدين به فإذا ظهر أنه لا دين فقد ظهر أنه لا حوالة لأن الحوالة بالدين و قد تبين أنه لا دين فتبين أنه لا حوالة ضرورة و هذا لا يوجد في الحوالة المطلقة لأن تعلق الدين به يوجب تقييد الحوالة و لم يوجد فلا يتعلق به الدين فيتعلق بالذمة فلا يظهر أن الحوالة كانت باطلة و كذلك لو قيد الحوالة بألف وديعة عند رجل فهلكت الألف عند المودع بطلت الحوالة و لو كانت الألف على المحال عليه مضمونه لا تبطل الحوالة بالهلاك لأنه يجب عليه مثلها .
و منها : أنه إذا مات المحيل في الحوالة المقيدة قبل أن يؤدي المحال عليه الدين إلى المحال و على المحيل ديون سوى دين المحال و ليس له مال سوى هذا الدين لا يكون المحال أحق به من بين سائر الغرماء عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر يكون أحق به من بين سائر الغرماء كالرهن .
و لنا : الفرق بين الحوالة و الرهن و هو أن المرتهن اختص بغرم الرهن من بين سائر الغرماء ألا ترى أنه لو هلك يسقط دينه خاصة و لما اختص بغرمه لأن الخراج بالضمان فأما المحال في الحوالة المقيدة فلم يختص بغرم ذلك المال ألا ترى أنه لو توى لا يسقط دينه على المحيل و التوى على المحيل دونه فلما لم يختص بغرمه لم يختص بغنمه أيضا بل يكون هو و غرماء المحيل أسوة في ذلك و إذا أراد المحيل أن يأخذ المحال عليه ببقية دينه فليس له ذلك لأن المال الذي قيدت به الحوالة استحق من المحال عليه فبطلت الحوالة و لو كانت الحوالة مطلقة و المسألة بحالها يؤخذ من المحال عليه جميع الدين الذي عليه و يقسم بين غرماء المحيل و لا يدخل المحال في ذلك و إنما يؤخذ من المحال عليه لأن الحوالة لم تتعلق به فذلك ملك المحيل و لا يشاركهم المحال في ذلك لأن حقه ثبت على المحال عليه و لا يعود إلى المحيل و لكن القاضي يأخذ من غرماء المحيل كفيلا لأنه ثبت الرجوع إليهم لأحد رجلين .
أما المحال إذا توى ما على الآخر و أما المحال عليه إذا أدى الدين فالقاضي نصب ناظرا لأمور المسلمين فيحتاط في ذلك بأخذ الكفيل