حكم الحوالة .
فصل : و أما بيان حكم الحوالة فنقول و بالله تعالى التوفيق الحوالة لها أحكام منها براءة المحيل و هذا عند أصحابنا الثلاثة .
و قال زفر : الحوالة لا توجب براء المحيل و الحق في ذمته بعد الحوالة على ما كان عليه قبلها كالكفالة سواء .
وجه قوله : أن الحوالة شرعت وثيقة للدين كالكفالة و ليس من الوثيقة براءة الأول بل الوثيقة في مطالبة الثاني مع بقاء الدين على حاله في ذمة الأول من غير تغيير كما في الكفالة سواء .
و لنا : أن الحوالة مشتقة من التحويل و هو النقل فكان معنى الانتقال لازما فيها و الشيء إذا انتقل إلى موضع لا يبقى في المحل الأول ضرورة و معنى الوثيقة يحصل بسهولة الوصول من حيث الملاءة و الإنصاف و لو كفل بشرط براءة الأصيل جاز و تكون حوالة لأنه أتى بمعنى الحوالة و اختلف مشايخنا المتأخرون في كيفية النقل مع اتفاقهم على ثبوت أصله موجبا للحوالة قال بعضهم : إنها نقل المطالبة و الدين جميعا .
و قال بعضهم : إنها نقل المطالبة فحسب فأما أصل الدين فباق في ذمة المحيل .
وجه قول الأولين دلالة الإجماع و المعقول .
أما دلالة الإجماع : فلأنا أجمعنا على أنه لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهب الدين منه صحت البراءة و الهبة و لو برأ المحيل من الدين أو وهب الدين منه لا يصح و لولا أن الدين انتقل إلى ذمة المحال عليه و فرغت ذمة المحيل عن الدين لما صح الأول لأن الإبراء عن الدين وهبة الدين و لا دين محال و لصح الثاني لأن الإبراء عن دين ثابت وهبته منه صحيح و إن تأخرت المطالبة كالإبراء عن الدين المؤجل .
و أما المقول : فلأن الحوالة توجب النقل لأنها مشتقة من التحويل و هو النقل فيقتضي نقل ما أضيف إليه و قد أضيف إلى الدين لا إلى المطالبة لأنه إذا قال : أحلت بالدين أو أحلت فلانا بدينه فيوجب انتقال الدين إلى المحال عليه إلا أنه إذا انتقل أصل الدين إليه تنتقل المطالبة لأنها تابعة وجه قول الآخرين دلالة الإجماع و المعقول .
أما دلالة الإجماع فإن المحيل إذا قضى دين الطالب بعد الحوالة قبل أن يؤدي المحال عليه لا يكون متطوعا و يجير على القبول و لو لم يكن عليه دين لكان متطوعا فينبغي أن لا يجبر على القبول كما إذا تطوع أجنبي بقضاء دين إنسان على غيره و كذلك المحال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لا يرتد برده و لو وهبه منه يرتد برده كما إذا أبرأ الطالب الكفيل أو وهب منه و لو انتقل الدين إلى ذمة المحال عليه لما اختلف حكم الإبراء و الهبة و لا ارتدا جميعا بالرد كما لو أبرأ الأصيل أو وهب منه .
و كذلك المحال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة لا يرجع على المحيل و إن كانت الحوالة بأمره كما في الكفالة .
و لو وهب الدين منه له أن يرجع عليه إذا لم يكن للمحيل عليه دين كما في الكفالة و لو كان له عليه دين يلتقيان قصاصا كالكفالة سواء فدلت هذه الأحكام على التسوية بين الحوالة و الكفالة ثم إن الدين في باب الكفالة ثابت في ذمة الأصيل فكذا في الحوالة .
و أما المعقول فهو أن الحوالة شرعت وثيقة للدين بمنزلة الكفالة و ليس من الوثيقة إبراء الأول بل الوثيقة في نقل المطالبة مع قيام أصل الدين في ذمة المحيل .
و منها : ثبوت ولاية المطالبة للمحال على المحال عليه بدين في ذمته أو في ذمة المحيل على حسب ما ذكرنا من اختلاف المشايخ فيه لأن الحوالة أوجبت النقل إلى ذمة المحال عليه بدين في ذمته إما نقل الدين و المطالبة جميعا و إما نقل المطالبة لا غير و ذلك يوجب حق المطالبة للمحال على المحال عليه .
و منها : ثبوت حق الملازمة للمحال عليه على المحيل إذا لازمه المحال فكلما لازمه المحال فله أن يلازم المحيل ليتخلص عن ملازمة المحال و إذا حبسه له أن يحبسه إذا كانت الحوالة بأمر المحيل و لم يكن على المحال عليه دين مثله للمحيل لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فعليه تخليصه منها .
و إن كانت الحوالة بغير أمره أو كانت بأمره و لكن للمحيل على المحال عليه دين مثله و الحوالة مقيدة لم يكن للمحال عليه أن يلازم المحيل إذا لوزم و لا أن يحبسه إذا حبس لأن الحوالة إذا كانت بغير أمر المحيل كان المحال عليه متبرعا و إن كان للمحيل عليه دين مثله و قيد الحوالة به فلو لازمه المحال عليه لكان للمحيل أن يلازمه أيضا فلا يفيد و الله D أعلم