ما يرجع إلى الموكل .
و أما الذي يرجع إلى الموكل فإنه يرجع إلى بيان ما يجوز التوكيل به و ما لا يجوز و الجملة فيه أن التوكيل لا يخلو إما أن يكون بحقوق الله D و هي الحدود و إما أن يكون بحقوق العباد و التوكيل بحقوق الله D نوعان : .
أحدهما : بالإثبات .
و الثاني : بالاستيفاء .
أما التوكيل بإثبات الحدود فإن كان حدا لا يحتاج فيه إلى الخصومة كحد الزنا و شرب الخمر فلا يتقدر التوكيل فيه بالإثبات لأنه يثبت عند القاضي بالبينة أو الإقرار من غير خصومة .
و إن كان مما يحتاج فيه إلى الخصومة كحد السرقة و حد القذف فيجوز التوكيل بإثباته عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف لا يجوز و لا تقبل البينة فيهما إلا من الموكل و كذلك الوكيل بإثبات القصاص على هذا الخلاف .
وجه قول أبي يوسف : أنه كما يجوز التوكيل فيه بالاستيفاء فكذا بالإثبات لأن الإثبات وسيلة إلى الاستيفاء و لهما : الفرق بين الإثبات و الاستيفاء و هو أن امتناع التوكيل في الاستيفاء لمكان الشبهة و هي منعدمة في التوكيل بالإثبات .
و أما التوكيل باستيفاء حدثني القذف و السرقة فإن كان المقذوف و المسروق منه حاضرا وقت الاستيفاء جاز لأن ولاية الاستيفاء إلى الأمام و أنه لا يقدر على أن يتولى الاستيفاء على كل حال .
و إن كان غائبا اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : يجوز لأن عدم الجواز لاحتمال العفو و الصلح و أنه لا يحتملهما .
و قال بعضهم : لا يجوز لأنه إن كان لا يحتمل العفو و الصلح فيحتمل الإقرار و التصديق و هذا عندنا .
و قال الشافعي C يجوز التوكيل باستيفاء حدثني القذف كيف ما كان .
وجه قوله : أن هذا حقه فكان بسبيل من استيفائه بنفسه و بنائبه كما في سائر الحقوق .
و لنا : الفرق على قول بعض المشايخ و هو ما ذكرنا أنه يحتمل أنه لو كان حاضر الصدق الرامي فيما رماه أو يترك الخصومة فلا يجوز استيفاء الحد مع الشبهة و الشبهة لا تمنع من استيفاء سائر الحقوق .
و يجوز التوكيل بالتعزير إثباتا و استيفاء بالاتفاق و للوكيل أن يستوفي سواء كان الموكل غائبا أو حاضرا لأنه حق العبد و لا يسقط بالشبهات بخلاف الحدود و الاختصاص و لهذا ثبت بشهادة رجل و امرأتين فأشبه سائر الحقوق بخلاف الحد و القصاص .
و أما التوكيل باستيفاء القصاص فإن كان الموكل حاضرا جاز لأنه قد لا يقدر على الاستيفاء بنفسه فيحتاج إلى التوكيل و إن كان غائبا لا يجوز لأن احتمال العفو قائم لجواز أنه لو كان حاضرا لعفا فلا يجوز استيفاء القصاص مع قيام الشبهة و هذا المعنى منعدم حالة الحضرة .
و عند الشافعي C : يجوز و إن كان غائبا و الكلام في الطرفين على نحو ما ذكرنا في حد القذف