- أما جنسه فإنهم اتفقوا على جواز الوصية في الرقاب واختلفوا في المنافع فقال جمهور فقهاء الأمصار : ذلك جائز وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر : الوصية بالمنافع باطلة . وعمدة الجمهور أن المنافع في معنى الأموال . وعمدة الطائفة الثانية أن المنافع متنقلة إلى ملك الوارث لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره وإلى هذا القول ذهب أبو عمر بن عبد البر . وأما القدر فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز الوصية في أكثر من الثلث لمن ترك ورثة . واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها هل هو الثلث أو دونه ؟ وإنما صار الجميع إلى أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه A " أنه عاد سعد بن أبي وقاص فقال له يا رسول الله : قد بلغ مني الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي ؟ فقال له رسول الله A : لا فقال له سعد : فالشطر ؟ قال : لا ثم قال رسول الله A : الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " فصار الناس لمكان هذا الحديث إلى أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث واختلفوا في المستحب من ذلك فذهب قوم إلى أنه ما دون الثلث لقوله E في هذا الحديث " والثلث كثير " وقال بهذا كثير من السلف . قال قتادة : أوصى أبو بكر بالخمس وأوصى عمر بالربع والخمس أحب إلي . وأما من ذهب إلى أن المستحب هو الثلث فإنهم اعتمدوا على ما روي عن النبي A أنه قال " إن الله جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث . وثبت عن ابن عباس أنه قال : لوغض الناس في الوصية من الثلث إلى الربع لكان أحب إلي لأن رسول الله A قال " الثلث والثلث كثير " . وأما اختلافهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن لا وارث له فإن مالكا لا يجيز ذلك والأوزاعي واختلف فيه قول أحمد وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحق وهو قول ابن مسعود . وسبب الخلاف هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع أم ليس بخاص وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس . كما قال E " إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " فمن جعل هذا السبب خاصا وجب أن يرتفع الحكم بارتفاع هذه العلة ومن جعل الحكم عبادة وإن كان قد علل بعلة أو جعل جميع المسلمين في هذا المعنى بمنزلة الورثة قال : لا تجوز الوصية بإطلاق بأكثر من الثلث