- واتفقوا على أن ركعتي الفجر سنة لمعاهدته E على فعلها أكثر منه على سائر النوافل والترغيبة فيها ولأنه قضاها بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلاة . واختلفوا من ذلك في مسائل إحداها في المستحب من القراءة فيهما فعند مالك المستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن فقط وقال الشافعي : لا بأس أن يقرأ فيهما بأم القرآن مع سورة قصيرة وقال أبو حنيفة : لا توقيف فيهما في القراءة يستحب وأنه يجوز أن يقرأ فيهما المرء حزبه من الليل . والسبب في اختلافهم اختلاف قراءته E في هذه الصلاة واختلافهم في تعيين القراءة في الصلاة وذلك أنه روي عنه E " أنه كان يخفف ركعتي الفجر " على ما روته عائشة قالت " حتى أني أقول أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا ؟ " فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقط . وروي عنه من طريق أبي هريرة خرجه أبو داود " أنه كان يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون " فمن ذهب مذهب حديث عائشة اختار قراءة أم القرآن فقط ومن ذهب مذهب الحديث الثاني اختار أم القرآن وسورة قصيرة ومن كان على أصله في أنه لا تتعين للقراءة في الصلاة لقوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر منه } قال يقرأ فيهما ما أحب .
والثانية في صفة القراءة المستحبة فيهما فذهب مالك والشافعي وأكثر العلماء إلى أن المستحب فيهما هو الإسرار وذهب قوم إلى أن المستحب فيهما هو الجهر وخير قوم في ذلك بين الإسرار والجهر . والسبب في ذلك تعارض مفهوم الآثار وذلك أن حديث عائشة المتقدم المفهوم من ظاهره " أنه E كان يقرأ فيهما سرا " ولولا ذلك لم تشك عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا ؟ وظاهر ما روى أبو هريرة أنه كان يقرأ فيهما ب { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } أن قراءته E فيهما جهرا " ولولا ذلك ما علم أبو هريرة ما كان يقرأ فيهما فمن ذهب مذهب الترجيح بين هذين الأثرين قال : إما باختيار الجهر إن رحج حديث أبي هريرة وإما باختيار الإسرار إن رجح حديث عائشة ومن ذهب مذهب الجمع قال بالتخيير والثالثة في الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد ليصلهما فأقيمت الصلاة فقال مالك : إذا كان قد دخل المسجد فأقيمت الصلاة فليدخل مع الإمام في الصلاة ولا يركعهما في المسجد والإمام يصلي الفرض وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعها خارج المسجد وإن خاف فوات الركعة فليدخل مع الإمام ثم يصليهما إذا طلعت الشمس .
ووافق أبو حنيفة مالكا في الفرق بين أن يدخل المسجد أو لا يدخله وخالفه في الحد في ذلك فقال : يركعهما خارج المسجد ما ظن أنه يدرك ركعة من الصبح مع الإمام . وقال الشافعي إذا أقيمت الصلاة المكتوبة فلا يركعهما أصلا لا داخل المسجد ولا خارجه وحكى ابن المنذر أن قوما جوزوا ركوعهما في المسجد والإمام يصلي وهو شاذ . والسبب في اختلافهم اختلافهم في مفهوم قوله E " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " فمن حمل هذا على عمومه لم يجز صلاة ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة المكتوبة لا خارج المسجد ولا داخله ومن قصره على المسجد فقد أجاز ذلك خارج المسجد ما لم تفته الفريضة أو لم يفته منها جزء . ومن ذهب مذهب العموم فالعلة عنده في النهي إنما هو الاشتغال بالنفل عن الفريضة ومن قصر ذلك على المسجد فالعلة عنده إنما هو أن تكون صلاتان معا في موضع واحد لمكان الاختلاف على الإمام كما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال " سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله A فقال : أصلاتان معا ؟ أصلاتان معا ؟ " قال : وذلك في صلاة الصبح والركعتين اللتين قبل الصبح .
وإنما اختلف مالك وأبو حنيفة في القدر الذي يراعى من فوات صلاة الفريضة من قبل اختلافهم في القدر الذي به يفوت فضل صلاة الجماعة للمشتغل بركعتي الفجر إذا كان فضل صلاة الجماعة عندهم أفضل من ركعتي الفجر فمن رأى أنه بفوات ركعة منها يفوته فضل صلاة الجماعة قال : يتشاغل بها ما لم تفته ركعة من الصلاة المفروضة ومن رأى أنه يدرك الفضل إذا أدرك ركعة من الصلاة لقوله E " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " أي قد أدرك فضلها وحمل ذلك على عمومه في تارك ذلك قصدا أو بغير اختيار قال : يتشاغل بها ما ظن أنه يدرك ركعة منها . ومالك إنما يحمل هذا الحديث والله أعلم على من فاتته الصلاة دون قصد منه لفواتها ولذلك رأى أنه إذا فاتته منها ركعة فقد فاته فضلها . وأما من أجاز ركعتي الفجر في المسجد والصلاة تقام فالسبب في ذلك أحد أمرين : إما أنه لم يصح عنده هذا الأثر أو لم يبلغه . قال أبو بكر بن المنذر : هو أثر ثابت : أعني قوله E " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " .
وكذلك صححه أبو عمر بن عبد البر وإجازة ذلك تروى عن ابن مسعود والرابعة في وقت قضائها إذا فاتت حتى صلى الصبح فإن طائفة قالت يقضيها بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وابن جريج وقال قوم يقضيها بعد طلوع الشمس ومن هؤلاء من جعل لها غير هذا الوقت غير المتسع ومنهم من جعله لها متسعا فقال : يقضيها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الزوال ولا يقضيها بعد الزوال ومن هؤلاء الذين قالوا بالقضاء ومنهم من استحب ذلك ومنهم من خير فيه . والأصل في قضائها صلاته لها E بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلاة