- وفي هذا الباب أربع مسائل في حكم النكاح وفي حكم خطبة النكاح وفي الخطبة على الخطبة وفي النظر إلى المخطوبة قبل التزويج . فأما حكم النكاح فقال قوم : هو مندوب إليه وهم الجمهور وقال أهل الظاهر : هو واجب وقالت المتأخرة من المالكية : هو في حق بعض الناس واجب وفي حق بعضهم مندوب إليه وفي حق بعضهم مباح وذلك بحسب ما يخاف على نفسه من العنت . وسبب اختلافهم هل تحمل صيغة الأمر به في قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وفي قوله E " تناكحوا فإني مكاثر بكم الأمم " وما أشبه ذلك من الأخبار الواردة في ذلك على الوجوب أم على الندب أم على الإباحة . فأما من قال إنه في حق بعض الناس واجب وفي حق بعضهم مندوب إليه وفي حق بعضهم مباح فهو التفات إلى المصلحة وهذا النوع من القياس هو الذي يسمى المرسل وهو الذي ليس له أصل معين يستند إليه وقد أنكره كثير من العلماء والظاهر من مذهب مالك القول به .
وأما خطبة النكاح المروية عن النبي A فقال الجمهور إنها ليست واجبة وقال داود هي واجبة . وسبب الخلاف هل يحمل فعله في ذلك E على الوجوب أو على الندب : فأما الخطبة على الخطبة فإن النهي في ذلك ثابت عن النبي E . واختلفوا هل يدل ذلك على فساد المنهي عنه أو لا يدل . وإن كان يدل ففي أي حالة يدل ؟ فقال داود يفسخ وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يفسخ وعن مالك القولان جميعا وثالث وهو أن يفسخ قبل الدخول ولا يفسخ بعده وقال ابن القاسم : إنما معنى النهي إذا خطب رجل صالح على خطبة رجل صالح وأما إن كان الأول غير صالح والثاني صالح جاز . وأما الوقت عند الأكثر فهو إذا ركن بعضهم إلى بعض لا في أول الخطبة بدليل حديث فاطمة بنت قيس " حيث جاءت إلى النبي A فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها فقال : أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء وأما معاوية فصعلوك لا مال له ولكن انكحي أسامة " . وأما النظر إلى المرأة عند الخطبة فأجاز ذلك مالك إلى الوجه والكفين فقط وأجاز ذلك غيره إلى جميع البدن عدا السوأتين ومنع ذلك قوم على الإطلاق وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين . والسبب في اختلافهم أنه ورد الأمر بالنظر إليهن مطلقا وورد بالمنع مطلقا وورد مقيدا : أعني بالوجه والكفين على ما قاله كثير من العلماء في قوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } إنه الوجه والكفان وقياسا على جواز كشفهما في الحج عند الأكثر ومن منع تمسك بالأصل وهو تحريم النظر إلى النساء