وهذا الباب يحتاج القارئ إليه ولا بد من معرفته وقد عمل المتقدمون فيه كتبا نثرا ونظما ومن أحسن ما نظم فيه ما أخبرني به الشيخ عبد الكريم التونسي قراءة مني عليه قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بزال الأنصاري قال أخبرنا ابن الغماز قال أخبرنا ابن سلمون قال أخبرنا ابن هذيل قال أخبرنا أبو داود قال أملى علينا الشيخ أبو عمرو الداني من نظمه : .
( ظفرت شواظ بحظها من ظلمنا ... فكظمت غيظ عظيم ما ظنت بنا ) .
( وظعنت أنظر في الظهيرة ظلة ... وظللت أنتظر الظلال لحفظنا ) .
( وظمئت في الظما ففي عظمي لظى ... ظهر الظهار لأجل غلظة وعظنا ) .
( أنظرت لفظي كي تيقظ فظه ... وحظرت ظهر ظهيرها من ظفرنا ) .
ذكر هذه الأبيات الأربعة جميع ما وقع في القرآن من لفظ الظاء وميزه مما ضارعه لفظا وهي اثنتان وثلاثون كلمة وقيل جميع ما في القرآن من ذلك ثمانمائة وأحد عشر موضعا ولنتكلم الآن على هذه الأبياات كلمة كلمة ونذكر وقوع كل في القرآن ومعناه بالإيجاز والاختصار فمن أراد الإحاطة بالظاءات فعليه بـ ( رفع الحجاب عن تنبيه الكتاب ) الذي ألفه شيخنا الإمام أبو جعفر نزيل حلب فأقول مستعينا بالله : .
أما قوله : ( ظفرت ) أي فازت يقال ظفر الرجل بحاجته يظفر ظفرا إذا فاز بها والظافر الغالب والذي وقع في القرآن من هذا اللفظ موضع واحد في سورة لافتح : { من بعد أن أظفركم عليهم } .
وأما الشواظ فهو اللهب الذي لا دخان معه وقيل الذي معه دخان وفيه لغتان : ضم الشين وكسرها وقرئ بهما ووقع في القرآن في موضع واحد في سورة الرحمن : { يرسل عليكما شواظ من نار } .
وأما الحظ فهو النصيب وهو بالظاء وضارعه في اللفظ الحض الذي معناه التحريض يقال حضضت فلانا على الشيء [ أحضه أي ] أحرضه عليه قال الخليل : الفرق بين الحث والحض الحث يكون في السير والسوق وكل شيء والحض لا يكون في سير ولا في سوق فأما الأول ففي القرآن منه ستة مواضع والثاني ثلاثة مواضعن في لاحاقة والماعون { ولا يحض على طعام المسكين } وفي الفجر { ولا تحاضون } هذه الثلاثة بالضاد .
وأما الظلم فهو وضع الشيء في غير موضعه ووقع في القرآن في مائتي موضع واثنين وثمانين موضعا متنوعا .
وأما الكظم فهو مخرج النفس والكظيم مجترع الغيظ ووقع منه في القرآن ] ستة ألفاظ .
وأما الغيظ فهو الامتلاء والحنق وهو شدة الغضب فهو بالظاء ووقع في القرآن في أحد عشر موضعا وضارعه في اللفظ الغيض الذي معناه التفرقة ووقع في موضعين { وغيض الماء } في هود و { ما تغيض الأرحام } في الرعد .
وما العظيم فهو الجليل أي الكبير وأعظم الأمر أكبره ووقع في القرآن في مائة موضع وثلاثة مواضع .
وأما الظن فهو تجويز أمرين أحدهما أقرب من الآخر يقال ظن يظن ظنا ويكون شكا ويقينا فالشك نحو : { وظننتم ظن السوء } و { تظنون بالله الظنونا } واليقين نحو : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } { فظنوا أنهم مواقعوها } ووقع منه في القرآن سبعة وستون لفظا وضارعه في اللفظ قوله تعالى : { وما هو على الغيب بضنين } وفيه خلاف فقرأه بالظاء ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي بمعنى متهم والباقون يقرؤونه بالضاد بمعنى بخيل .
وأما الظعن فهو السفر والشخوص يقال ظعن يظعن ظعنا إذا شخص أو سافر ووقع منه في القرآن لفظ واحد في سورة النحل { يوم ظعنكم } .
وأما النظر فهو من نظرت الشيء أنظره فأنا ناظر قال المجنون : .
( نظرت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصبابة أنظر ) .
والنظير المثيل وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء ووقع في القرآن منه ستة وثمانون موضعا وضارعه في اللفظ النضر الذي معناه الحسن ومنه قوله E : [ نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها ] ووقع في القرآن منه ثلاثة مواضع في القيامة { وجوه يومئذ ناضرة } وفي الإنسان { ولقاهم نضرة وسرورا } وفي المطففين { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } .
وأما الظهيرة فسيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها .
وأما الظلة فهو كل ما أظلك ووقع في القرآن منها موضعان { كأنه ظلة } في الأعراف و { يوم الظلة } في الشعراء .
وأما ظللت فهو من قولك ظل فلان يفعل كذا إذا دام على فعله نهارا وهو من ظل يظل وهي أخت كان ووقع في القرآن منه تسعة ألفاظ { فظلوا فيه يعرجون } بالحجر { ظل وجهه مسودا } في النحل والزخرف { ظلت عليه } في طه { فظلت أعناقهم } { فنظل لها } كلاهما بالشعراء { لظلوا من بعده } في الروم { فيظللن رواكد } بالشورى { فظلتم تفكهون } في الواقعة وظلت وفظلتم أصله بلامين لكن خفف مثل مست ومسست وضارع هذا اللفظ في اللفظ الضلال الذي هو ضد الهدى نحو { وضل عنهم ما كانوا يفترون } وكذا ما معناه البطانة والتغيب نحو { أإذا ضللنا في الأرض } أي غبنا وبطننا فيها فكذلك عيناه في مواضعه ليمتاز من هذا فاعلمه .
وأما الإنتظار فهو التوقع تقول : إنتظرت كذا أي توقعته وأتى في أربعة عشر موضعا .
وأما الظلال بكسر الظاء فهو جمع ظل وهو معروف كظل الشجرة وغيرها ويقال له ظل في أول النهار فإذا رجع فهو فيء والظل الظليل الدائم فهو وما اشتق منه بالظاء نحو { مد الظل } و { ظللنا عليهم } { يتفيأ ظلاله } { في ظل } { من فوقهم ظلل } .
وتقدم ذكر الظلة وجمعها ظلل أو ظلال كخلة وخلل وبرمة وبرام ووقع منه في القرآن إثنان وعشرون موضعا .
وأما الحفظ فهو ضد النسيان وهو بالظاء كيف تصرف نحو { على كل شيء حفيظ } و { حافظات } و { حفظة } و { محفوظ } و { يحفظونه } وقع في اثنين وأربعين موضعا .
وأما الظمأ بالهمز فهو العطش ووقع في ثلاثة مواضع في براءة { لا يصيبهم ظمأ } وفي طه { تظمأ } وفي النور { الظمآن } .
وأما الظلماء فهي من الظلمة وجمعها ظمأت ووقعت في ستة وعشرين موضعا .
وأما العظم فهو معروف وجمعه عظام ووقع في أربعة عشر موضعا جمعا وفردا .
وأما لظى فأصله اللزوم والإلجاج تقول : ألظ بكذا أي ألزمه ولج به ومنه قوله A : [ ألظوا بياذا الجلال والإكرام ] أي الزموا أنفسكم وألجوا بكثرة الدعاء بها وسميت بعض طباق النار به للزومها العذاب قال الله تعالى : { وما هم منها بمخرجين } ووقع في القرآن منه موضعان { إنها لظى } في المعارجن { فأنذرتكم نارا تلظى } في والليل وأما الظهار فيأتي الكلام عليه عند قوله ظهر ظهيرها .
وأما الغلظ فهو معروف وفي القرآن منه ثلاثة عشر موضعا .
وأما الوعظ فهو التخويف من عذاب الله والترغيب في العمل القائد إلى الجنة قال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب انتهى فهو بلاظاء كيف تصرف وجمع الموعظة مواعظ وجمع العظة عظات وضارعه في اللفظ قوله تعالى : { جعلوا القرآن عضين } في الحجر وهو بالضاد ومعناه أنهم فرقوه وقالوا : هو سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك .
وأما الإنظار فهو التأخير والمهلة تقول أنظرته أي أمهلته وهو اثنان وعشرون موضعا .
وأما اللفظ فهو الكلام وهو مصدر من لفظ يلفظ وهو موضع واحد { ما يلفظ من قول } في ق .
وأما الإيقاظ فهو من اليقظة وهو ضد الغفلة أو النوم وهو موضع واحد في الكهف { وتحسبهم أيقاظا } .
وأما الفظ فقيل هو الرجل الكريه الخلق مشتق من فظ الكرش وهو ماؤه وهوموضع واحد في آل عمران { ولو كنت فظا } وضارعه في اللفظ الغض الذي معناه الفك والتفرقة تقول فضضت الطابع أي فككته وانفض الجماعة أي تفرقوا قال الله تعالى : { لانفضوا من حولك } { انفضوا إليها } أي تفرقوا .
وأما الحظر فمعناه المنع والحيازة لأن كل حائز لشيء مانع غيره منه وهو موضعان : في الإسراء { وما كان عطاء ربك محظورا } أي ممنوعا وفي القمر { كهشيم المحتظر } والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وضارعه في اللفظ الحضر الذي هو ضد الغيبة ومعناه الإتيان إلى المكان ولامعنى فارق بينهما فافهم .
وأما قوله ظهر ظهيرها وقوله في الظهيرة وقوله ظهر الظهار فنتكلم عليهن الآن فالظهيرة هي شدة الحر ومنه قوله : { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } وأما الظهر فهو خلاف البطن ومنه قوله : { إلا ما حملت ظهورهما } والظهار هو من ظاهر الرجل من زوجته وهو أن يقول لها أنت علي كظهر أمي ومنه قوله تعالى : { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } الآية وأما قوله ظهر هو بضم الظاء وهو اسم لوقت زوال الشمس وهو وقت صلاة الظهر تقول أظهرنا أي صرنا في وقت الظهر قال الله تعالى : { وعشيا وحين تظهرون } .
وأما الظهير فهو المعين والتظاهر التعاون ومنه قوله تعالى : { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } فإذا علم ذلك ففي كتاب الله تعالى منها وما تصرف منها سبعة وخمسون موضعا والله أعلم .
وأما الظفر فهو الذي بالأيدي والأرجل قال أبو حاتم : يقال ظفر وظفر بضمة واحدة وبضمتين ولا يقال بالكسر كما تقول العامة وقد يقال للظفر أظفور قالت أم الهيثم : .
( ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفور ) .
وجمع الظفر أظفار وأظافيرن وقيل أظافير جمع الجمع كما قيل أقوال وأقاويل وقيل جمع أظفور والتظفير هو أخذك الشيء بأطراف أظفارك وتخذيشك إياه بها ووقع في موضع في الأنعام قوله تعالى : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } والله أعلم .
وهذا آخر ما قصدته من ترجمة هذا الكتاب وكنت قبل أن أكتب هذا التأليف بدأت في تأليف كتاب سميته التوجيهات على أصول القراءات ثم رأيت الحاجة داعية إلى تأليف هذا المختصر فانثنيت عن ذلك حتى كمل تأليفي لهذا الكتاب وأنا إن شاء الله عازم على ذلك بإرشاده وتيسيره إن تأخر الأجل ونلت بلوغ الأمل حتى أكمله .
وأحببت أن أختم هذا الكتاب بأدعية رواها الخلف عن السلف عند ختم القرآن لأن بركة الدعاء عظيمة ومنافعه عميمة عند نزول الرحمة في وقت ختم القرآن الكريم قال الله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وعن ابن عباس Bهما : أفضل العبادة الدعاء .
أخبرنا شيخنا شمس الدين أبو عبد الله الصفوي قال أخبنا الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مروان البعلبكي قال أخبرنا السخاوي قال شيخنا أبو القاسم يعني الشاطبي يدعو عند ختم القرآن بهذا الدعاء : اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك [ نواصينا بيدك ] ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في شيء من كتبك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين وهو مروي عن رسول الله A لتفريج الهم .
قال السخاوي : وأنا أزيد عليه : اللهم اجعله لنا شفاء وهدى وإماما ورحمة وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا ولا تجعل لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا عدوا إلا كفيته ولا غائبا إلا رددته ولا عاصيا إلا عصمته ولا فاسدا إلا أصلحته ولا ميتا إلا رحمته ولا عيبا إلا سترته ولا عسيرا إلا يسرته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها في يسر منك وعافية برحمتك يا أرحم الراحمين .
قلت : وأنا أزيد عليه : اللهم انصر جيوش المسلمين نصرا عزيزا وافتح لهم فتحا مبينا اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا اللهم افتح لنا بخير واختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير اللهم إنا نعوذ بك من فواتح الشر وخواتمه وأوله وآخره وباطنه وظاهره اللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحدا سواك واجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك وهب لنا غنى لا يطغينا وصحة لا تلهينا وأغننا عن من أغنيته عنا واجعل آخر كللامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله A وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون برحمتك يا أرحم الراحمين .
وروى عاصم بن أبي النجود عم زر بن حبيش قال : قرأت القرآن كله في المسجد الجامع بالكوفة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - Bه - فلما بلغت الحواميم قال : يازر قد بلغت عرائس القرآن فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق { والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير } بكى حتى ارتفع نحيبه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يازر أمن علي دعاءي ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص المؤمنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثمن ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والنجاة من النار .
ثم قال : يا زر إذا ختمت فادع بهذه الدعوات فإن حبيبي رسول الله A أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن .
انتهى ما أردت ذكره من الدعاء وهو كاف واسأل الله تعالى أن ينفع به ويجعله خالصا لوجهه الكريم .
قال المؤلف : فرغت من تحريره آخر ثلث ساعة مضت من استوائه من يوم السبت خامس ذي الحجة الحرام من سنة تسع وستين وسبعمائة بالمدرسة الظاهرية من بين القصرين بالقاهرة المحروسة لا زالت معمورة وسائر بلاد المسلمين وأجزت لجميع المسلمين روايته عني راجيا ثواب الله تعالى ومغفرته ورحمته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين