هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم وله فيه تصنيف مفيد .
( 165 ) وروينا عن ( أبي عبد الله أحمد بن حنبل ) Bه أنه قال : ومن يعرى من الخطأ والتصحيف ؟ .
فمثال التصحيف في الإسناد حديث ( شعبة ) عن العوام بن مراجم عن أبي عثمان النهدي عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله - A - ( ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها ) ) الحديث . صحف فيه ( يحيى بن معين ) فقال : ( ابن مزاحم ) بالزاي والحاء فرد عليه وإنما هو ( ابن مراجم ) بالراء المهملة والجيم .
ومنه : ما رويناه عن ( أحمد بن حنبل ) قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن عائشة : Bها أن رسول الله - A - نهى عن الدباء والمزفت . قال أحمد : صحف شعبة فيه فإنما هو خالد بن علقمة وقد رواه زائدة بن قدامة وغيره على ما قاله أحمد .
وبلغنا عن ( الدارقطني ) : أن ( ابن جرير الطبري ) قال : فيمن روى عن النبي - A - من بني سليم : ومنهم ( عتبة بن البذر ) قاله بالباء والذال المعجمة وروى له حديثا وإنما هو ( ابن الندر ) بالنون والدال غير المعجمة .
ومثال التصحيف في المتن : ما رواه ( ابن لهيعة ) عن كتاب موسى بن عقبة إليه بإسناده عن زيد بن ثابت : أن رسول الله - A - احتجم في المسجد وإنما هو بالراء ( احتجر في المسجد ) بخص أو حصير حجرة يصلي فيها . فصحفه ابن لهيعة لكونه أخذه من كتاب بغير سماع . ذكر ذلك ( مسلم ) في كتاب ( التمييز ) له .
( 166 ) وبلغنا عن ( الدارقطني ) في حديث أبي سفيان عن جابر قال : رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله - A - : أن غندرا قال فيه ( أبي ) وإنما هو ( أبي ) وهو أبي بن كعب .
وفي حديث أنس : ( ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) . قال فيه شعبة ( ذرة ) بالضم والتخفيف ونسب فيه إلى التصحيف .
وفي حديث ( أبي ذر ) : ( تعين الصانع ) . قال فيه ( هشام بن عروة ) : بالضاد المعجمة وهو تصحيف والصواب ما رواه ( الزهري ) ( الصانع ) بالصاد المهملة ضد الأخرق .
وبلغنا عن ( أبي زرعة الرازي ) : أن ( يحيى بن سلام ) - هو المفسر - حدث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى : ( ( سأريكم دار الفاسقين ) ) قال ( مصر ) . واستعظم ( أبو زرعة ) هذا واستقبحه وذكر أنه في تفسير سعيد عن قتادة ( مصيرهم ) .
( 167 ) وبلغنا عن ( الدارقطني ) : أن ( محمد بن المثنى أبا موسى العنزي ) حدث بحديث النبي - A - : ( ( لا يأتي أحدكم يوم القيامة ببقرة لها خوار ) ) فقال فيه : أو ( ( شاة تنعر ) ) بالنون وإنما هو : ( تيعر ) بالياء المثناة من تحت . وأنه قال لهم يوما : نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى النبي - A - إلينا . يريد ما روي : أن النبي A صلى إلى عنزة توهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما العنزة ههنا حربة نصبت بين يديه فصلى إليها .
وأظرف من هذا ما رويناه عن الحاكم ( أبي عبد الله ) عن أعرابي زعم : أنه - A - كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة أي صحفها ( عنزة ) بإسكان النون .
وعن ( الدارقطني ) أيضا : أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي أيوب : ( من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال ) . فقال فيه ( شيئا ) بالشين والياء .
وأن ( أبا بكر الإسماعيلي الإمام ) كان - فيما بلغهم عنه - يقول في حديث عائشة عن النبي - A - في الكهان ( قر الزجاجة ) بالزاي وإنما هو : ( قر الدجاجة ) بالدال .
( 168 ) وفي حديث يروى عن معاوية بن أبي سفيان قال : لعن رسول الله A الذين يشققون الخطب تشقيق الشعر . ذكر ( الدارقطني ) عن ( وكيع ) أنه قاله مرة بالحاء المهملة و ( أبو نعيم ) شاهد فرده عليه بالخاء المعجمة المضمومة .
وقرأت بخط مصنف : أن ( ابن شاهين ) قال في جامع المنصور في الحديث : أن النبي A نهى عن تشقيق الحطب . فقال بعض الملاحين : يا قوم فكيف نعمل والحاجة ماسة .
قلت : فقد انقسم التصحيف إلى قسمين : أحدهما في المتن والثاني في الإسناد .
وينقسم قسمة أخرى إلى قسمين : .
أحدهما : تصحيف البصر كما سبق عن ( ابن لهيعة ) وذلك هو الأكثر .
والثاني : تصحيف السمع نحو حديث ( لعاصم الأحول ) رواه بعضهم فقال ( عن واصل الأحدب ) فذكر ( الدارقطني ) : أنه من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر كأنه ذهب - والله أعلم - إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه .
وينقسم قسمة ثالثة : إلى تصحيف اللفظ وهو الأكثر . وإلى تصحيف يتعلق بالمعنى دون اللفظ كمثل ما سبق عن ( محمد بن المثنى ) في الصلاة إلى عنزة .
وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفا مجاز و الله أعلم .
وكثير من التصحيف المنقول عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه ونسأل الله التوفيق والعصمة والله أعلم