هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا . ( 239 ) .
وهم منقسمون : .
فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه ومنهم من خلط لذهاب بصره أو لغير ذلك .
والحكم فيهم : أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده .
فمنهم ( عطاء بن السائب ) اختلط في آخر عمره فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل ( سفيان الثوري ) ( وشعبة ) لأن سماعهم منه كان في الصحة وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخرا .
وقال ( يحيى بن سعيد القطان ) في ( شعبة ) : إلا حديثين كان ( شعبة ) يقول : سمعتهما بالآخرة عن ( زادان ) .
( أبو إسحاق السبيعي ) اختلط أيضا ويقال : إن سماع ( سفيان بن عيينة ) منه بعد ما اختلط ذكر ذلك ( أبو يعلى الخليلي ) .
( سعيد بن إياس الجريري ) اختلط وتغير حفظه قبل موته .
قال ( أبو الوليد الباجي المالكي ) : قال ( النسائي ) : أنكر أيام الطاعون وهو أثبت عندنا من ( خالد الحذاء ) ما سمع منه قبل أيام الطاعون .
( سعيد بن أبي عروبة ) قال ( يحيى بن معين ) : خلط ( سعيد بن أبي عروبة ) بعد هزيمة ( إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن ) سنة اثنتين وأربعين - يعني - ومائة .
فمن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء .
( ويزيد بن هارون ) صحيح السماع منه سمع منه بواسط وهو يريد الكوفة . وأثبت الناس سماعا منه ( عبدة بن سليمان ) . ( 240 ) .
قلت : وممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه ( وكيع ) ( والمعافى بن عمران الموصلي ) . بلغنا عن ( ابن عمار الموصلي ) أحد الحفاظ أنه قال : ليست روايتهما عنه بشيء إنما سماعهما بعدما اختلط .
وقد روينا عن ( يحيى بن معين ) أنه قال ( لوكيع ) : تحدث عن ( سعيد بن أبي عروبة ) وإنما سمعت منه في الاختلاط ؟ فقال : رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو ؟ .
( المسعودي ) ممن اختلط وهو ( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي ) وهو أخو ( أبي العميس عتبة المسعودي ) . ذكر ( الحاكم أبو عبد الله ) في كتاب ( المزكين للرواة ) عن ( يحيى بن معين ) أنه قال : من سمع من ( المسعودي ) في زمان ( أبي جعفر ) فهو صحيح السماع ومن سمع منه في أيام ( المهدي ) فليس سماعه بشيء .
وذكر ( حنبل بن إسحاق ) عن ( أحمد بن حنبل ) أنه قال : سماع ( عاصم ) هو ( ابن علي ) ( وأبي النضر ) وهؤلاء من ( المسعودي ) بعد ما اختلط .
( ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن ) أستاذ ( مالك ) قيل : إنه تغير في آخر عمره وترك الاعتماد عليه لذلك .
( صالح بن نبهان ) مولى ( التوأمة بنت أمية بن خلف ) روى عنه ( ابن أبي ذئب ) والناس .
قال ( أبو حاتم بن حبان ) : تغير في سنة خمس وعشرين ومائة واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك .
( حصين بن عبد الرحمن الكوفي ) ممن اختلط وتغير ذكره ( النسائي ) وغيره والله أعلم .
( عبد الوهاب الثقفي ) ذكر ( ابن أبي حاتم الرازي ) عن ( يحيى بن معين ) أنه قال : اختلط بآخرة .
( سفيان بن عيينة ) وجدت عن ( محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ) : أنه سمع ( يحيى بن سعيد القطان ) يقول : أشهد أن ( سفيان بن عيينة ) اختلط سنة سبع وتسعين فمن سمع منه في هذا السنة وبعد هذا فسماعه لا شيء .
قلت : توفي بعد ذلك بنحو سنتين سنة تسع وتسعين ومائة . ( 241 ) .
( عبد الرزاق بن همام ) : ذكر ( أحمد بن حنبل ) : أنه عمي في آخر عمره فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شيء . قال ( النسائي ) : فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة .
قلت : وعلى هذا نحمل قول ( عباس بن عبد العظيم ) لما رجع من صنعاء : والله لقد تجشمت إلى ( عبد الرزاق ) وإنه لكذاب ( والواقدي ) أصدق منه .
قلت : قد وجدت فيما روي عن ( الطبراني ) عن ( إسحاق بن إبراهيم الدبري ) عن ( عبد الرزاق ) أحاديث استنكرتها جدا فأحلت أمرها على ذلك فإن سماع ( الدبري ) منه متأخر جدا . قال ( إبراهيم الحربي ) : مات ( عبد الرزاق ) ( وللدبري ) ست سنين أو سبع سنين ويحصل أيضا في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ( سفيان بن عيينة ) وأشباهه .
( عارم محمد بن الفضل ) ( أبو النعمان ) اختلط بآخرة . فما رواه عنه ( البخاري ) و ( محمد بن يحيى الذهلي ) وغيرهما من الحافظ ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه .
( أبو قلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي ) روينا عن الإمام ( ابن خزيمة ) أنه قال : حدثنا ( أبو قلابة ) بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد .
وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين ( أبو أحمد الغطريفي الجرجاني ) ( وأبو طاهر ) حفيد الإمام ( ابن خزيمة ) .
ذكر الحافظ ( أبو علي البرذعي ثم السمرقندي ) في ( معجمه ) : أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما .
( وأبو بكر بن مالك القطيعي ) راوي مسند ( أحمد ) وغيره اختل في آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه .
واعلم : أن من كان من هذا القبيل محتجا بروايته في ( الصحيحين ) أو أحدهما فإنا نعرف على الجملة : أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط والله أعلم