وصورته التي لا خلاف فيها : حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم ( كعبيد الله بن عدي بن الخيار ) ثم ( سعيد بن المسيب ) وأمثالهما إذا قال : قال رسول الله A .
والمشهور : التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك Bهم .
وله صور اختلف فيها : أهي من المرسل أم لا ؟ .
إحداها : إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه : فالذي قطع به ( الحاكم الحافظ أبو عبد الله ) وغيره من أهل الحديث : أن ذلك لا يسمى مرسلا وأن الإرسال مخصوص بالتابعين .
بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا منقطعا . وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى .
والمعروف في الفقه وأصوله : أن كل ذلك يسمى مرسلا وإليه ذهب من أهل الحديث ( أبو بكر الخطيب ) وقطع به وقال : إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي A وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي A فيسمونه المعضل والله أعلم .
الثانية : قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين : قال رسول الله A حكى ( ابن عبد البر ) : أن قوما لا يسمونه ( 32 ) مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين .
قلت : وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلا .
والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم والله أعلم .
الثالثة : إذا قيل في الإسناد : فلان عن رجل - أو : عن شيخ - عن فلان .
أو نحو ذلك فالذي ذكره ( الحاكم ) في معرفة علوم الحديث : أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا . وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم .
ثم اعلم : أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن . ولهذا احتج ( الشافعي ) Bه بمرسلات ( سعيد بن المسيب ) Bهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص ذلك عنده بإرسال ( ابن المسيب ) كما سبق .
ومن أنكر ذلك زاعما أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه : أنه بالمسند تتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم به الحجة على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني . وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن .
وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر وقد تداولوه في تصانيفهم .
وفي صدر ( صحيح مسلم ) : المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة .
و ( ابن عبد البر ) - حافظ المغرب - ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث .
( 33 ) والاحتجاج به مذهب ( مالك ) و ( أبي حنيفة ) وأصحابهما - رحمهم الله - في طائفة والله أعلم .
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه : مرسل الصحابي مثل ما يرويه ( ابن عباس ) وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله A ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم