@ 477 @ سائلاً ربه أن ينتصر له منهم ، وأن الله انتصر له منهم ، فأهلكهم بالغرق ، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصب بكثرة وأنه تعالى فجر الأرض عيوناً . .
وقوله : { عُيُوناً } ، تمييز محول عن المفعول ، والأصل فجرنا عيون الأرض . والتفجير : إخراج الماء منها بكثرة ، وأل ، في قوله : { فَالْتَقَى المَآءُ } للجنس ، ومعناه التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر ، أي قدره الله وقضاه . .
وقيل : إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهما الله بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر ، والأول أظهر . .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من دعاء نوح ربه جل وعلا ، أن ينتصر له ، من قومه فينتقم منهم ، وأن الله أجابه فانتصر له منهم فأهلكهم جميعاً بالغرق في هذا الماء المتلقى من السماء والأرض ، جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنبياء : { وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } . .
وقوله تعالى في الصافات { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ إلى قوله { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاٌّ خَرِينَ } . .
وقد بين جل وعلا أن دعاء نوح فيه سؤاله الله أن يهلكهم إهلاكاً مستأصلاً ، وتلك الآيات فيها بيان لقوله هنا : فانتصر وذلك كقوله تعالى { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاٌّ رْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } وما دعا نوح على قومه إلا بعد أن أوحى الله إليه أنه لا يؤمن منهم أحد غير القليل الذي آمن ، وذلك في قوله تعالى { وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ } ، وقد قال تعالى { وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } . .
وقوله تعالى { عُيُوناً } قرأه ابن كثير وابن عامر في رواية ابن ذكوان وعاصم ، في رواية شعبة وحمزة والكسائي : { عُيُوناً } بكسر العين لمجانسة الياء .
وقرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر في رواية هشام وعاصم في رواية حفص عيوناً بضم العين على الأصل .