@ 253 @ وقال بعض العلماء هي هنا للتقليل لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب . فإن قيل : ربما لا تدخل إلا على الماضي فما وجه دخولها على المضارع في هذا الموضع ؟ فالجواب أن الله تعالى لما وعد بوقوع ذلك صار ذلك الوعد للجزم بتحقيق وقوعه كالواقع بالفعل ونظيره قوله تعالى { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } ونحوها من الآيات ، فعبر بالماضي تنزيلاً لتحقيق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل . قوله تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الاٌّ مَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . هدد الله تعالى الكفار في هذه الآية الكريمة بأمره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتركهم يأكلون ويتمتعون ، فسوف يعلمون حقيقة ما يؤول إليه الأمر من شدة تعذيبهم وإهانتهم . وهددهم هذا النوع من التهديد في مواضع أخر كقوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ 12 } وقوله : { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } وقوله : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } وقوله : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ } وقوله { فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ } إلى غير ذلك من الآيات . .
وقد تقرر في فن المعاني وفي مبحث الأمر عند الأصوليين أن من المعاني التي تأتي لها صيغة أفعل التهديد كما في الآية المذكورة وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ذَرْهُمْ } يعني اتركهم ، وهذا الفعل لم يستعمل منه إلا الأمر والمضارع ، فماضية ترك ، ومصدرة الترك ، واسم الفاعل منه تارك ، واسم المفعول منه متروك . وقال بعض العلماء : هذه الآية منسوخة بآيات السيف ، والعلم عند الله تعالى . قال القرطبي : ( والأمل الحرص على الدنيا والانكباب عليها والحب لها والإعراض عن الآخرة ) ، وعن الحسن رحمه الله أنه قال : ( ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل ) ، وقد قدمنا علاج طول الأمل في سورة البقرة . قوله تعالى { وَقَالُواْ ياأَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } . قد يقال في هذه الآية الكريمة كيف يقرون بأنه أنزل إليه الذكر وينسبونه للجنون مع ذلك والجواب أن قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر يعنون في زعمه تهكماً منهم به ، ويوضح هذا المعنى ورود مثله من الكفار متهكمين بالرسل عليهم صلوات الله وسلامه في مواضع أخر كقوله تعالى عن فرعون مع موسى قال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }