@ 178 @ $ سورة عبس $ .
سبب نزول صدر هذه السورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إسلام قريش وكان يدعو أشرافهم إلى الله تعالى ليسلموا فيسلم بإسلامهم غيرهم فبينما هو مع رجل من عظمائهم قيل هو الوليد بن المغيرة وقيل عتبة بن ربيعة وقيل أمية بن خلف وقال ابن عباس كانوا جماعة إذ أقبل عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم عنه بتشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع الأعمى كلامه فعبس وأعرض عنه وذهب الرجل الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم بعد ذلك يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه وقد استخلفه على المدينة مرتين ! 2 < عبس وتولى > 2 ! أي عبس في وجه الأعمى وأعرض عنه قال ابن عطية في مخاطبته بلفظ الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض وقال الزمخشري في الإخبار بالغيبة زيادة في الإنكار وقال غيرهما هو إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم وتنزيه له عن المخاطبة بالعتاب وهذا أحسن ! 2 < أن جاءه الأعمى > 2 ! في موضع مفعول من أجله وهو منصوب بتولى أو عبس وذكر ابن أم مكتوم بلفظ الأعمى ليدل أن عماه هو الذي أوجب احتقاره وفي هذا دليل على أن ذكر هذه العاهات جائز إذا كانت لمنفعة أو يشهد صاحبها ومنه قول المحدثين سليمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وغير ذلك ! 2 < وما يدريك > 2 ! أي أي شئ يطلعك على حال هذا الأعمى ! 2 < لعله يزكى > 2 ! أي يتطهر وينتفع في دينه بما يسمع منك ! 2 < أما من استغنى فأنت له تصدى > 2 ! أي تتعرض للغنى رجاء أن يسلم ! 2 < وما عليك ألا يزكى > 2 ! أي لا حرج عليك أن لا يتزكى هذا الغني ! 2 < وأما من جاءك يسعى > 2 ! إشارة إلى عبد الله بن أم مكتوم ومعنى يسعى يسرع في مشيه من حرصه في طلب الخير ! 2 < وهو يخشى > 2 ! أي يخشى الله أو يخاف الكفار وإذا يتهم له على اتباعك وقيل جاء وليس معه من يقوده فكان يخشى أن يقع وهذا ضعيف ! 2 < فأنت عنه تلهى > 2 ! أي تشتغل عنه بغيره من قولك لهيت عن الشئ إذا تركته وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأدب بما أدبه الله في هذه السورة فلم يعرض بعدها عن فقير ولا تعرض لغنى وكذلك اتبعه فضلاء العلماء فكان الفقراء في مجلس سفيان الثوري كالأمراء وكان الأغنياء يتمنون أن يكونوا فقراء ! 2 < كلا > 2 ! ردع عن معاودة ما وقع العتاب فيه ! 2 < إنها تذكرة > 2 ! فيه وجهان أحدهما أن هذا الكلام المتقدم تذكرة أو موعظة للنبي صلى الله عليه وسلم والآخر أن القرآن تذكرة لجميع الناس فلا ينبغي أن يؤثر فيه أحد على أحد وهذا أرجح لأنه يناسبه فمن شاء ذكره وما بعده وأنت الضمير في قوله إنها تذكرة على معنى القصة أو الموعظة أو السورة أو القراءة