11 - ـ فصل : المقارنة بين علماء الدنيا و علماء الآخرة .
تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا فإن علماء الآخرة يتوادون و لا يتحاسبون كما قال عز و جل : { و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } .
و قال الله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا } .
و قد كان أبو الدرداء : [ يدعو كل ليلة من إخوانه ] .
و قال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي : [ أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر ] .
و الأمر الفارق بين الفئتين : أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها و يحبون كثرة الجمع و الثناء و علماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك و قد كانوا يتخوفونه و يرحمون من بلي به .
و كان النخعي لا يستند إلى سارية و قال علقمة : أكره أن يوطأ عقبي و يقال علقمة و كان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم و كانوا يتدافعون الفتوى و يحبون الخمول مثل القوم كمثل راكب البحر و قد خب فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة .
و إنما كان بعضهم يدعوا لبعض و يستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا فالأيام و الليالي مراحلهم إلى سفر الجنة