112 - ـ فصل : احذر الصديق قبل العدو .
من أعظم الغلط الثقة بالناس و الاسترسال إلى الأصدقاء فإن أشد الأعداء و أكثرهم أذى الصديق المنقلب عدوا لأنه قد اطلع على خفي السر .
قال الشاعر : .
( احذر عدوك مرة ... و إحذر صديقك ألف مرة ) .
( فلربما إنقلب الص ... ديق فكان أعلم بالمضرة ) .
و إعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم أو الغبطة و حب الرفعة فإذا رآك من يعتقدك مثلا له و قد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر و ربما حسد .
فإن إخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس جرى لهم ما شأنهم .
فإن قلت : كيف يبقى الإنسان بلا صديق ؟ قلت لك أتراك ما تعلم أن المجانس يحسد و أن أكثر العوام يعتقدون في العالم أنه لا يبتسم و لا يتناول من شهوات الدنيا شيئا فإذا رأوا بعض انبساطه في المباح هبط من أعينهم فإذا كانت هذه حالة العوام و تلك حالة الخواص فمع من تكون المعاشرة ؟ .
لا بل و الله ما تصح المعاشرة مع النفس لأنها متلونة و ليس إلا المداراة للخلق و الإحتراز منهم و اتخاذ المعارف من غير طمع في صديق صادق فإن ندر فليكن غير مماثل لأن الحسد إليه أسبق و ليكن مرتفعا عن رتبة العوام غير طامع في نيل مقامك .
و إن كانت معاشرة هذا لا تشفي لأن المعاشرة ينبغي أن تكون بين العلماء للمجانس فلزمهم من الإرشادات في المخالطة ما تطيب به المجالسة و لكن لا سبيل إلى الوصال .
و مثل هذه الحال أنك إن إستخدمت الأذكياء عرفوا باطنك و إن إستخدمت الأبله إنعكست مقاصدك .
فإجعل الأذكياء لحوائجك الخارجة و البله لحوائجك في منزلك لئلا يعلموا أسرارك و أقنع من الأصدقاء بمن وصفته لك ثم لا تلقه إلا متدرعا درع الحذر و لا تطلعه على باطن يمكن أن يستر عنه و كن كما يقال عن الذئب : .
( ينام بإحدى مقلتيه و يتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع )