118 - ـ فصل : عليك من العمل ما تطيق .
ينبغي للعاقل ألا يقدم على العزائم حتى يزن نفسه هل يطيقها ؟ و بحرب نفسه في ركوب بعضها سرا من الخلق فإنه لا يأمن أن يرى في حالة لا يصبر عليها ثم يعود فيفتضح مثال : رجل سمع بذكر الزهاد فرمى ثيابه الجميلة و لبس الدون و إنفرد في زواية و غلب على قلبه ذكر الموت و الآخرة فلم يلبث متقاضي الطبع أن ألح بما جرت به العادة .
فمن القوم من عاد بمرة إلى أكثر مما كان عليه كأكل الناقة من مرض و منهم من توسط الحال فبقي كالمذبذب .
و إنما العاقل هو الذي يستر نفسه بين الناس بثوب وسط لا يخرجه من أهل الخير و لا يدخله في زي أهل الفاقة فإن قويت عزيمته عمل في بيته ما يطيق و ترك ثوب التجمل لستر الحال و لم يظهر شيئا للخلق فإنه أبعد من الرياء و أسلم من الفضيحة .
و في الناس من غلب عليه قصر الأمل و ذكر الآخرة حتى دفن كتب العلم و هذا الفعل عندي من أعظم الخطأ و إن كان منقولا عن جماعة من الكبار .
و لقد ذكرت هذا لبعض مشايخنا فقال : أخطأوا كلهم و قد تأولت لبعضهم بأنه كان فيها أحاديث عن قوم ضعفاء و لم يميزوها كما روى عن سفيان في دفن كتبه .
أو كان فيها شيء من الرأي فلم يحبوا أن يؤخذ عنهم فكان من جنس تحريق عثمان بن عفان Bه للمصاحف لئلا يؤخذ بشيء مما فيها من المجمع على غيره .
و هذا التأويل يصح في حق علمائهم .
فأما غسل أحمد بن أبي الحواري كتبه و ابن أسباط فتفريط محض .
فالحذر الحذر من فعل يمنع منه الشرع أو من إرتكاب ما يظن عزيمة و هو خطيئة أو من إظهار ما لا يقوى عليه المظهر فيرجع القهقرى .
[ و عليكم من العمل بما تطيقون ] كما قال صلى الله عليه و سلم