119 - ـ فصل : لا خير في لذة بعد العقاب .
أجل الجهال من آثر عاجلا على آجل لا يأمن سوء مغبته فكم قد سمعنا عن سلطان و أمير و صاحب مال أطلق نفسه في شهواتها و لم ينظر في حلال و حرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ و لقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه و لا ذرة من كل لذة .
و لو كان هذا فحسب لكفى حزنا كيف و الجزاء الدائم بين يديه .
فالدنيا محبوبة للطبع لا ريب في ذلك و لا أنكر على طالبها و مؤثر شهواتها .
و لكن ينبغي له أن ينظر في كسبها و يعلم وجه أخذها ليسلم له عاقبة لذته و إلا فلا خير في لذة من بعدها النار .
و هل عد في العقلاء قط من قيل له : إجلس في المملكة سنة ثم نقتلك .
هيهات بل الأمر بالعكس و هو أن العاقل من صابر مرارة الجهد سنة بل سنين ليستريح في عاقبته .
و في الجملة أف للذة أعبت عقوبة .
و قد أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال : أخبرنا أبو بكر الخطيب قال : أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال : حدثنا يوسف بن عمر القواس قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل إملاء قال : حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال : حدثنا محمد بن أبي مسلمة البلخي قال : حدثنا محمد بن علي القوهستاني قال : حدثنا دلف بن أبي دلف قال : [ رأيت كأن آتيا أتى بعد موت أبي فقال أجب الأمير فقمت معه فأدخلني دار وحشة و عرة سوداء الحيطان مقلمة السقوف و الأبواب ثم أصعدني درجا فيها ثم أدخلني غرفة فإذا في حيطانها أثر النيران و إذا في أرضها أثر الرماد و إذا بأبي عريان واضعا رأسه بين ركبتيه فقال لي كالمستفهم : دلف ؟ قلت : نعم أصلح الله الأمير ] فأنشأ يقول : .
( أبلغن أهلنا و لا تخف عنهم ... ما لقينا في البرزخ الخفاق ) .
( قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا ... فارحموا وحشتي و ما قد ألاقي ) .
أفهمت ؟ قلت : نعم ؟ فأنشأ يقول : .
( فلو إنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي ) .
( و لكن إذا متنا بعثنا ... و نسأل بعده عن كل شيء )