169 - ـ فصل : إختر ما تميل النفس إليه و لا يرقى لمقام العشق .
من الأمور التي تخفي على العاقل أن يرى أنه متى لم تكن عنده إمرأة أوجارية يهواها هوى شديدا أنه لا يلتذ في الدنيا فإذا صور محبوبا مملوكا تخايل لذة عظيمة و إذا كان عنده من لا يميل إليه إعتقدنفسه محروما .
و هذا أمر شديد الخفاء فينبغي أن يوضح و هو أن المملوك مملول .
و متى قدر الإنسان على ما يشتبه مله و مال إلى غيره .
تارة لبيان عيوبه التي تكشفها المخالطة فإنه قد قال الحكماء : العشق يعمي عن عيوب المحبوب .
و تارة لمكان القدر عليه و النفس لا تزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه .
ثم لو قدرنا دوام المحبة مع القدر فإنها قد تكون و لكن ناقصة بمقدار القدرة و إنما بقوتها تجني المحبوب فيكون تجنبه كالإمتناع او إمتناعه من الموافقة .
فإذا صفا فلا بد من اكدار منها الحذر عليه و منها قلة ميله إلى هذا العاشق و ربما يتكلف القرب منه و يعلم الإنسان بقلة ميل محبوبه إليه فينغص بل يبغض .
فإن خاف منه خيانة إحتياج إلى حراسة فقويت النغص .
و أصلح المقامات التوسط و هو إختيار ما تميل النفس إليه و لا يرتقي إلى مقام العشق فإن العاشق في عذاب و إنما يتخايل الفارغ من العشق إلتذاذ العاشق و ليس كذلك فإنه كما قيل : .
( و ما في الأرض أشقى من محب ... و إن وجد الهوى عذب المذاق ) .
( تراه باكيا في كل و قت ... مخافة فرقة أو لا إشتياق ) .
( فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ... و يبكي إن دنوا خوف الفراق ) .
( فتسخن عينه عن التداني ... و تسخن عينه عند الفراق )