176 - ـ فصل : في الفرق بين اللغة و النحو .
اعلم أن الله D وضع في النفوس أشياء لا تحتاج إلى دليل فالنفوس تعلمها ضرورة و أكثر الخلق لا يحسنون التعبير عنها .
فإنه وضع في النفس أن المصنوع لا بد له من صانع و أن المبنى لا بد له من بان و أن الاثنين أكثر من الواحد و أن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالة واحدة و مثل هذه الأشياء لا تحتاج إلى دليل .
و ألهم العرب النطق بالصواب من غير لحن فهم يفرقون بين المرفوع و المنصوب بأمارات في جبلتهم و إن عجزوا عن النطق بالعلة .
قال عثمان بن جني : سألت يوما أبا عبد الله محمد بن عساف العقيلي فقلت له : كيف تقول ضربت أخوك ؟ فقال : أقول ضربت أخاك .
فأدرته على الرفع فأبى و قال لا أقول أخوك أبدا .
قال فكيف تقول ضربني أخوك ؟ فرفع فقلت : أليس زعمت أنك لا تقول أخوك أبدا ؟ فقال : إيش هذا اختلفت جهتها في الكلام .
و هذا أدل شيء على تأملهم مواقع الكلام و إعطائهم إياه في كل موضوع حقه و إنه ليس إسترسالا و لا ترخيما .
قال عثمان : و اللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم و النحو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب و غيره كالتثنية و الجمع و التحقير و التكسير و غير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة أهلها