184 - ـ فصل : الحذر واجب .
ينبغي للعاقل أن ينظر إلى الأصول فيمن يخالطه و يعاشره و يشاركه و يصادقه و يزوجه أو يتزوج إليه .
ثم ينظر بعد ذلك في الصور فإن صلاحها دليل على صلاح الباطن .
أما الأصول فإن الشيء يرجع إلى أصله و بعيد ممن لا أصل له أن يكون فيه معنى مستحسن .
إن المرأة الحسناء إذا كانت من بيت رديء فقل إن تكون صينة و كذلك أيضا المخالط و الصديق و المباضع و المعاشر .
فإياك أن تخالط إلا من له أصل يخاف عليه الدنس فالغالب معه السلامة و إن وقع غير ذلك كان نادرا .
و قد قال عمر بن عبد العزيز Bه لرجل : أشر علي فيمن أستعمل .
فقال : أما أرباب الدين فلا يريدونك أي لا يسألونك الرياسة و أما أرباب الدنيا فلا تردهم و لكن عليك بالأشراف فإنهم يصونون شرفهم عما لا يصلح .
و قد روى أبو بكر الصول ي قال : حدثني الحسين بن يحي عن إسحاق قال دعاني المعتصم يوما فأدخلني معه الحمام ثم خرج فخلا بي و قال : يا أبا إسحاق في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه .
إن أخي المأمون اصطنع قوما فأنجبوا و اصطفيت أنا مثلهم فلم ينجبوا .
قلت و من هم ؟ قال : اصطنع طاهرا و ابنه إسحاق و آل سهل فقد رأيت كيف هم .
و اصطنعت أنا الافشين فقد رأيت إلى ما آل أمره و أسناش فلم أجده شيئا و كذلك إيتاح و وصيف .
قلت : يا أمير المؤمنين ههنا جواب على أمان من الغضب .
قال : لك ذاك قلت : نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت فروعها و استعملت فروعا لا أصول لها فلم تنجب .
فقال : يا أبا إسحاق مقاساة ما مر بي طول هذه المدة أهون علي من هذا الجواب .
أما الصور فإنه متى صحت البينة و لم يكن فيها عيب فالغالب صحة الباطن و حسن الخلق و متى كان فيها عيب فالعيب في الباطن أيضا .
فاحذر من به عاهة كالأقرع و الأعمى و غير ذلك فإن بواطنهم في الغالب ردية .
ثم مع معرفة أصول المخالط و كمال صورته لا بد من التجربة قبل المخالطة و استعمال الحذر لازم و إن كان كما ينبغي