201 - ـ فصل : الزهد الظاهري .
ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ .
لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق و متى تمكن فراغ القلب من معرفة الحق امتلأ بالخلق فصار يعمل لهم و من أجلهم و يهلك بالرياء و لا يعلم .
و إني لأتأمل بعض من يتزيى بالفقر و التصوف و هو يلبس ثيابا لا تساوي دينارا و عنده المال الكثير و قد أمرع نفسه في المطاعم الشهية و هو عامل بمقتضى الكبر و التصدر فتقرب إلى أرباب الدنيا و يستذري أرباب العلم و يزور أولئك دونهم .
و إنما يرد ما يعطى ليشيع له اسم زاهد فتراه يربي الناموس و هو في احتياله كثعلب و في نهوضه إلى أغراضه في الباطن كلب شري .
فأقول : سبحان الله ما يزهد إلا الثياب أترى : ما سمع قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن الله يحب أن يري أثر نعمته على عبده ؟ ] .
و أعوذ بالله من رؤية النفس رؤية الخلق فإن من رأى نفسه تكبر و المتكبر أحمق لأنه ما من شيء يتكبر به إلا و لغيره أكثر منه .
و من راءى الخلق عبدهم و هو لا يعلم .
فأما العامل لله سبحانه و تعالى فهو بعيد من الخلق فإن تقربوا إليه ستر حاله بما يوجب بعدهم عنه .
و قد رأينا من يرائي و لا يدري فيمتنع من المشي في السوق و من زيارة الإخوان و من أن يشتري شيئا بنفسه .
و توهمه نفسه أني أكره مخالطة السوقة و إنما هذا يربي جاها بين العلماء إذ لو خالطهم لا متحى جاهه و بطل تقبيل يده .
و قد كان بشر الحافي يجلس في مجلس عند العطار .
و أبلغ من هذا كله أن نبينا صلى الله عليه و سلم كان يشتري حاجته و يحملها و خرج علي بن أبي طالب Bه و هو أمير المؤمنين فاشترى ثوبا و قد كان طلحة بن مطرف قارئ أهل الكوفة فلما كثر الناس عليه مشى إلى الأعمش فقرأ عليه فمال الناس إلى الأعمش و تركوا طلحة .
هذا و الله الكبريت الأحمر و الإكسير لا يظن إكسيرا في الكيمياء .
و المعاملة مع الله تعالى هكذا تكون .
فأما ضد هذه الحال فحالة عابد للخلق ملبس و قد عم هذا جمهور الخلق حاشا السلف .
( أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام و لا صبغ الحواجيب )