203 - ـ فصل : الكبر و خطره على العالم .
انتقدت على أكثر العلماء و الزهاد أنهم يبطنون الكبر .
فهذا ينظر في موضعه و ارتفاع غيره عليه و هذا لا يعود مريضا فقيرا يرى نفسه خيرا منه .
حتى إني رأيت جماعة يوما إليهم منهم من يقول لا أدفن إلا في دكة أحمد بن حنبل و يعلم أن في ذلك كسر عظام الموتى ثم يرى نفسه أهلا لذلك التصدر .
و منهم من يقول : ادفنوني إلى جانب مسجدي ظنا منه أنه يصير بعد موته مزارا كمعروف الكرخي .
و هذه خلة مهلكة و لا يعلمون .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر ] .
و قل من رأيت إلا و هو يرى نفسه .
و العجب كل العجب ممن يرى نفسه أتراه بماذا رآها ؟ .
إن كان بالعلم فقد سبقه العلماء و إن كان بالتعبد فقد سبقه العباد أو بالمال فأن المال لا يوجب بنفسه فضيلة دينية .
فإن قال : قد عرفت ما لم يعرف غيري من العلم في زمني فما علي ممن تقدم .
قيل له : ما نأمرك يا حافظ القرآن أن ترى نفسك في الحفظ كمن يحفظ النصف .
و لا يا فقيه أن ترى نفسك في العلم كالعامي .
إنما نحذر عليك أن ترى نفسك خيرا من ذلك الشخص المؤمن و إن قل علمه .
فإن الخيرية بالمعاني لا بصورة العلم و العبادة .
و من تلمح خصال نفسه و ذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب و التقصير و هو من حال غيره على شك .
فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس و رؤية التقدم في أحوال الآخرة و المؤمن لا يزال يحتقر نفسه .
و قد قيل لعمر بن عبد العزيز Bه : إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ .
فقال : [ لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلا لذلك ] .
و قد روينا : أن رجلا من الرهبان رأى في المنام قائلا : يقول له : [ فلان الإسكافي خير منك ] فنزل من صومعته فجاء إليه فسأله عن عمله فلم يذكر كبير عمله .
فقيل له في المنام : عد إليه و قل له مم صفرة وجهك ؟ .
فعاد فسأله فقال : ما رأيت مسلما إلا و ظننته خيرا مني فقيل له : فبذاك ارتفع