222 - ـ فصل : معرفة الخالق بالدليل واجبة .
إعلم أن الآدمي قد خلق لأمر عظيم و هو مطالب بمعرفة خالقه بالدليل و لا يكفيه التقليد و ذلك يفتقر إلى جمع الهم في طلبه .
و هو مطالب بإقامة المفروضات و اجتناب المحارم فإن سمت همته إلى طلب العلم احتاج إلى زيادة جمع الهم .
فأسعد الناس من له قوت دار بقدر الكفاية لا من منن الناس و صدقاتهم و قد قنع به .
و أما إذا لم يكن له قوت يكفي فالهم الذي يريد اجتماعه في تلك الأمور يتشتت و يصير طالبا للتحليل في جمع القوت .
فيذهب العمر في تحصيل قوت البدن الذي يريد من بقائه غير بقائه و يفوت المقصود ببقائه و ربما احتاج إلى الأنذال قال الشاعر : .
( حسبي من الدهر ما كفاني ... يصون عرضي عن الهوان ) .
( مخافة أن يقول قوم ... فضل فلان على فلان ) .
فينبغي للعاقل أن إذا رق قوتا أو كان له موار أن يحفظها ليجتمع همه و لا ينبغي أن يبذر في ذلك فإنه يحتاج فيتشتت همه .
و النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت فإن لم يكن له مال اكتسب بقدر كفايته و قلل الغلو ليجتمع بين همه و ضرورته .
و ليقنع بالقليل فإنه متى سمت همته إلى فضول المال وقع المحذور من التشتت لأن التشتت في الأول للعدم و هذا التشتت يكون للحرص على الفضول فيذهب العمر على البارد : .
( و من ينفق الأيام في حفظ ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر ) .
فافهم هذا يا صاحب الهمة تفي طلب الفضائل فإنك ما لم تعزل قوت الصبيان شتتوا قلبك و طبعك طفل ففرغ همك من استعانته .
و اعرف قدر شرف المال أوجب جمع همك و صان عرضك عن الخلق .
و إياك أن يحملك الكرم على فرط الإخراج فتصير كالفقير المتعرض لك بالتعرض لغيرك .
و في الحديث [ أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى عليه آثار الفقر فعرض به فأعطى شيئا فجاءه فقير آخر فآثره الأول ببعض ما أعطى فرماه النبي صلى الله عليه و سلم و نهاه عن مثل ذلك ] .
القناعة بما يكفي و ترك التشوف إلى الفضول أصل الأصول .
و لما آيس الإمام أحمد بن حنبل نفسه من قبول الهدايا و الصلات اجتمع همه و حسن ذكره لما أطعمها ابن المديني و غيره سقط ذكره .
ثم فيمن ! إنما هو سلطان جائر أو منرك منان ؟ أو صديق مدل بما يعطي و العز ألذ من كل لذة و الخروج عن ربقة المنن و لو بسف التراب أفضل