224 - ـ فصل : بادر بطي صحيفتك .
إنما خلقنا لنحيا مع الخالق في معرفته و محادثته و رؤيته في البقاء الدائم .
و إنما ابتدىء كوننا في الدنيا لأنها في مثال مكتب نتعلم فيه الخط و الأدب ليصلح الصبي عند بلوغه للرتب .
فمن الصبيان بعيد الذهن يطول مكثه في المكتب و يخرج و ما فهم شيئا .
و هذا مثال من لا يعلم و جوده و لا نال المراد من كونه .
و من الصبيان من يجمع مع بعد ذهنه و قلة فهمه و عدم تعلمه أذى الصبيان فهو يؤذيهم و يسرق مطاعمهم و يستغيثون من يده فلا هو صلح و لا فهم و لا كف عن الشر .
و هذا مثل أهل الشر و المؤذيين .
و من الصبيان من علق بشيء من الخط لكنه ضعيف الاستخراج رديء الكتابة فخرج و لم يعلق إلا بقدر ما يعلق به حساب معاملته .
و هذا مثل من فهم الشيء و فاتته الفضائل التامة .
و منهم من جود الخط و لم يتعلم الحساب و أتقن الأدب حفظا غير أنه قاصر في أدب النفس .
فهذا يصلح أن يكون كائبا للسلطان على مخاطرة لسوء ما في باطنه من الشره و قلة التأدب .
و منهم من سمعت همته إلى المعالي الكاملة فهو مقدم الصبيان في المكتب و نائب عن معلمهم ثم يرتفع عنهم بعزة نفسه و أدب باطنه و كمال صناعة الأدب الظاهرة .
و لا يزال حاث من باطنه يحثه على تعجيل التعليم و تحصيل كل فضيلة لعمله أن المكتب لا يراد لنفسه بل لأخذ الأدب منه و الراحلة إلى حالة الرجولية و التصرف فهو يبادر الزمان في نيل كل فضيلة .
فهذا مثل المؤمن الكامل يسبق الأقران التجاري و يعرض لوح عمله جيد الخط فيقول بلسان حاله { هاؤم اقرؤوا كتابيه } .
و كذلك الدنيا و أهلها من الناس هالك بعيد عن الحق و هم الكفار .
و منهم خاطئ مع قليل من الإيمان فهو معاقب و المصير إلى خير و منهم سليم لكنه قاصر .
و منهم تام لكنه بالإضافة إلى من دونه و هو ناقص بالإضافة إلى من فوقه .
فالبدار البدار يا أرباب الفهوم فإن الدنيا معبر إلى دار إقامة و سفر إلى المستقر و القرب من السلطان و مجاورته فتهيئوا للمجالسة و استعدوا للمخاطبة و بالغوا في استعمال الأدب لتصلحوا للقرب من الحضرة .
و لا يشغلكم عن تضمير الخيل تكاسل و ليحملكم على الجد في ذلك تذكركم يوم السباق .
فإن قرب المؤمنين من الخالق على قدر حذرهم في الدنيا .
و منازلهم على قدر فما منزل النفاط كمنزل الحاجب و لا منزل الحاجب كمكان الوزير .
جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و الفردوس الأعلى لآخرين .
و الذين في أرض ينظرون أهل الدرجات كما يرون الكوكب الدري فليتذكر الساعي حلاوة التسليم إلى الأمين .
و ليتذكر في لذاذة المدح يوم السباق و ليحذر المسابق من تقصير لا يمكن استدراكه .
و ليخف من عيب يبقى قبح ذكره .
هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن أزرى بهم اتباع الهوى ثم لحقتهم العافية فنجوا بعد لأي فليتعظ و ليصبر عن المشتهي فالأيام قلائل .
[ يدخل فقراء المؤمنين قبل الأغنياء إلى الجنة بخمس مائة عام ] فالجد الجد بإقدام المبادرة .
فقد لاح العلم خصوصا لمن بانت له بانة الوادي إما بالعلم الدال على الطريق و إما بالشيب الذي هو علم الرحيل و هو ما يأمله أهل الجد .
و كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه فيقال له في هذا الوقت ! فيقول : [ أبادر طي صحيفتي ] .
و بعد هذا فالمراد موفق و المطلوب معان و إذا أرادك لأمر هيأك له