231 - ـ فصل : و إن الآخرة هي دار القرار .
سبب تنغيص العيش فوات الحظوظ العاجلة و ليس في الدنيا طيب عيش على الدوام إلا للعارف الذي شغله رضى حبيبه و التزود للرحيل إليه .
فإنه إن وجد راحة في الدنيا استعان بها على طلب الآخرة .
وإن وجد شدة اغتنم الصبر عليها لثواب الآخرة فهو راض بكل ما يجري عليه .
يرى ذلك من قضاء الخالق و يعلم أنه مراده كما قال قائلهم : .
( إن كان رضاكم في سهري ... فسلام الله على و سني ) .
فأما من طلب حظه فإنه يقلق لفوات مراده و يتنغص لبعد ما يشتهي فلو إفتقر تغير قلبه و لو ذلك تغير و هذا لأنه قائم مع غرضه و هواه .
و ما أحسن قول الحصري : إيش علي مني و إيش لي في ؟ .
و هذا كلام عارف لأنه إن كان ينظر إلى حقيقة الملكية فعبد يتصرف فيه مولاه .
فاعتراضه لا وجه له و إرادته أن يقع ما يجب فضول في البين .
و إن نظر أن النفس كالملك له فقد خرجت عن يده من يوم إن الله اشترى .
أفيحسن لمن باع شاة أن يغضب على المشتري إذا ذبحها أو يتغير قلبه ؟ .
و الله لو قال المالك سبحانه : إنما خلقتكم ليستدل على وجودي ثم أنا أفنيكم و لا إعادة .
لكان يجب على النفوس العارفة به أن تقول سمعا لما قلت و طاعة .
و أي شيء لنا فينا حتى نتكلم .
فكيف و قد وعد بالأجر الجزيل و الخلود في النعيم الذي لا ينفد لكن طريق الوصول تحتاج إلى صبر على المشقة و ما يبقى لتعب رمل زرود أثر إذا لاح الحرم .
فالصبر الصبر يا أقدام المبتدئين لاح المنزل و السرور يا متوسطين ضرب الخيم و الفرح الكامل يا عارفين قد تلقيتم بالبشائر .
زالت و الله أثقال المعاملات عنكم فكانت معرفتكم بالمبتلي حلاوة أعقبت شربة المجاهدة فلم يبق في الفم للمر أثر .
تخايلوا قرب المناجاة و لذة الحضور و دوار كؤوس الرضى عنكم فقد أخذت شمس الدنيا في الأفوال : .
( ما بيننا له إلا تصر ... م هذه السبع البواقي ) .
( حتى يطول حديثنا ... بصنوف ما كنا نلاقي )