233 - ـ فصل : افتح عين الفكر في ضوء العبر .
رأيت جماعة من الخلق يتعللون بالأقدار فيقول قائلهم : إن وقفت فعلت و هذا تعلل بادر و دفع للأمر بالراح .
و هو يشير إلى رد أقوال الأنبياء و الشرائع جميعها .
فإنه لو قال كافر للرسول : إن وفقتني أسلمت لم يجبه إلا بضرب العنق .
و هذا جنس قول الناس لعلي Bه : ندعوك إلى كتاب الله فقال : كلمة حق أريد بها باطل .
و كذلك قول الممتنعين عن الصدقة { أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } .
و لعمري إن التوفيق أصل الفعل و لكن التوفيق أرم خفي و الخطاب بالفعل أمر جلي .
فلا ينبغي أن يتشاغل عن الجلي بذكر الخفي .
و مما يقطع هذا الإحتجاج أن يقال لهذا القائل : إن الله سبحانه لم يكلفك شيئا إلا و عندك أدوات ذلك الفعل و لك قدرة عليه .
فإن كانت القدرة عليه معدومة و الأدوات غير محلصة فلا أمر و لا تكليف و إن كنت تسعى بتلك الأدوات في تحصيل غرضك و هوالك فاسع بها في إقامة مفروضك .
مثل ذلك : أنك تسافر في طلب الربح و تسأل الحج فلا تفعل و يثقل عليك الإنتباه بالليل فلو أردت الخروج إلى العيد انتبهت سحرا .
و تقف في بعض أغراضك مع صديق تحادثت ساعات فإذا وقفت في الصلاة استعجلت و ثقل عليك .
فإياك إياك أن تتعلق بأمر لا حجة لك فيه ثم من نصيبك ينقص و من حظك يضيع فإنما تحرك لك و إنما تحرض لنفعك فبار فإنك مبادر بك .
و مما يزيل كسلك ـ إن تأملته ـ أن تتخايل ثواب المجتهدين و قد فاتك .
و يكفي ذلك في توبيخ المقصر إن كانت له نفس فأما الميت الهمة فما لجرح بميت إيلام .
كيف بك إذا قمت من قبرك و قد قربت نجائب النجاة لأقوام و تعثرت و أسرعت أقدام الصالحين على الصراط و تخبطت ؟ .
هيهات ذهبت حلاوة البطالة و بقيت مرارة الأسف و نضب ماء كأس الكسل و بقي رسوب الندامة ! .
ما قدر البقاء في الدنيا بالإضافة إلى دوام الآخرة ؟ .
ثم ما قدر عمرك في الدنيا و نصفه نوم و باقية غفلة ؟ .
فيا خاطبا حرر الجنة و هو لا يملك فلسا من عزيمة افتح عين الفكر في ضوء العبر لعلك تبصر مواقع خطابك .
فإن رأيت تثبيطا من الباطن فاستغث بعون اللطف و تنبه في الأسحار لعلك تتلمح ركب الأرباح و تعلق على قطار المستغفرين و لو خطوات و انزل في رباع المجتهدين و لو منزلا أي منزل