235 - ـ فصل : ليس في الدنيا حقيقة لذة .
كنت أسمع علي بن الحسين الواعظ يقول على المنبر : [ و الله لقد بكيت البارحة من يدي نفسي ] .
فبقيت أنا أتفكر و أقول : أي شيء قد فعلت نفس هذا حتى يبكي ؟ .
هذا رجل متنعم له الجواري التركيات و قد بلغني أنه تزوج في السر بجملة من النساء و لا يطعم إلا الغاية من الدجاج و الحلوى .
و له الدخل الكثير و المال الوافر و الجاه العريض و الأفضال على الناس .
و قد حصل طرفا من العلم و استعبد كثيرا من العلماء بمعروفه و راحته دائمة الندى فما الذي يبكيه ؟ .
فتفكرت فعلمت أن النفس لا تقف عند حد بل تروم من اللذات ما لا منتهى له كلما حصل لها غرض برد عندها و طلبت سواه فيفنى العمر و يضعف البدن و يقع النقص و يرق الجاه و لا يحصل المراد .
و ليس في الدنيا أبله ممن يطلب النهاية في لذات الدنيا و ليس في الدنيا على الحقيقة لذة إنما هي راحة من مؤلم .
فالسعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها و مالت إليه و علم سترها و دينها أن يعقد الخنصر على صحبتها .
و أكثر أسباب دوام محبتها ألا يطلق بصره فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه في غيرها فإن الطمع في الجديد ينغص الخلق و ينقص المخالطة و يستر عيوب الخارج فتميل النفس إلى المشاهد الغريب و يتكدر العيش مع الحاضر القريب كما قال الشاعر : .
( و المرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين الحور موقوف على الخطر ) .
( يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر ) .
ثم تصير الثانية كالأولى و تطلب النفس ثالثة و ليس لهذا آخر بل الغض عن المشتهيات و يأس النفوس من طلب المستحسنات يطيب العيش مع المعاشر .
و من لم يقبل هذا النصح تعثر في طرق الهوى و هلك على البارد و ربما سعى لنفسه في الهلاك العاجل أو في العار الحاضر فإن كثيرا من المستحسنات لسن بصينات و لا يفي التمتع بهن بالعار الحاصل .
و منهن المبذرات في المال و منهن المبغضة للزوج و هو يحبها كعابد صنم .
و أبله البله الشيخ الذي يطلب صبيه و لعمري إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا كما قال القائل : .
( فقلت بنفسي النساء الصغار ) .
و متى تكن الصبية بالغة لم يكمل الاستمتاع فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع و الشيخ لا يقدر .
فإن حمل على نفسه لم يبلغ مرادها و هلك سريعا .
و لا ينبغي أن يغتر بشهوته الجماع فإن شهوته كالفجر الكاذب .
و قد رأينا شيخنا اشترى جارية فبات معها فانقلب عنها ميتا .
و كان في المارستان شاب قد بقى شهرين بالقيام فدخلت عليه زوجته فوطئها فانقلب عنها ميتا .
فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم و المنى فإذا فرغا و لم تجد ما تعتمد عليه ذهبت .
و إن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطء فهي لا تقنع فتصير كالعدو له .
فربما غلبها الهوى ففجرت أو احتالت على قتله خصوصا الجواري اللواتي أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك ففيهن قسوة القلب .
و قبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء فإن اتفق معه صاحبة دين قبل ذلك فليرع لها معاشرتها و ليتم نقصه عندها تارة بالإنفاق و تارة بحسن الخلق .
و ليزد في تعريفها أحوال الصالحات و الزهدات و ليكثر من ذكر القيامة و ذم الدنيا و ليعرض بذكر محبة العرب فإنهم كانوا يعشقون و لا يرون وطء المعشوق كما قال قائلهم : .
( إنما الحب قبلة ... و غمز كف و عضد ) .
( إنما العشق هكذا ... إن نكبح الحب فسد ) .
فإن قدر أن يشغلها بحمل أو ولد عرقلها به فاستبقى قوته في مدة اشتغالتها بذلك .
فإن وطىء فليصبر عن الإنزال حفظا لقوته و قضاء لحقها .
و قد قيل لبشر : لم لم تتزوج ؟ فقال : على ماذا أغر مسلمة و قد قال الله D : { و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
و المسكين من دخل في أمر لم يتلمح عواقبه قبل الدخول و رأى حبة الفخ فبادر طالبا لها ناسيا تعرقل الجناح و الذبح .
مجموع ما قد بسطته حفظ البصر عن الإطلاق و يأس النفس عن التحصيل قنوعا بالحاصل خصوصا من قد علت سنه و علم أن الصبية عدوة له متمنية هلاكه و هو يربيها لغيره .
و في بعض ما ذكرته ما يردع العاقل عن التعرض لهذه الآفات نسأل الله D توفيقا من فضله و عملا بمقتضى العقل و الشرع إنه مجيب قريب