240 - ـ فصل : لا يجتمع حب الدنيا و حب الآخرة .
رأيت سبب الهموم و الغموم الإعراض عن الله D و الإقبال على الدنيا .
و كلما فات منها شيء وقع الغم لفواته .
فأما من رزق معرفة الله تعالى استراح لأنه يستغني بالرضى بالقضاء فمهما قدر له رضي .
و إن دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج في قلبه اعتراض لأنه مملوك مدبر فتكون همته في خدمة الخالق .
و من هذه صفته لا يؤثر جمع مال و لا مخالطة الخلق و لا الإلتذاذ بالشهوات .
لأنه إما أن يكون مقصرا في المعرفة فهو مقبل على التعبد المحض يزهد في الفاني لينال الباقي .
و إما أن يكون له ذوق في المعرفة فإنه مشغول عن الكل بصاحب الكل .
فتراه متأدبا في الخلوة به مستأنسا بمناجاته مستوحشا من مخالطة خلقه راضيا بما يقدر له فعيشه معه كعيش محب قد خلا بحبيبه لا يريد سواه و لا يهتم بغيره .
فأما من لم يرزق هذه الأشياء فإنه لا يزال في تنغيص متكدر العيش لأن الذي يطبه من الدنيا لا يقدر عليه فيبقى أبدا في الحسرات مع ما يفوته من الآخرة بسوء المعاملة .
نسأل الله D أن يستصلحنا له فإنه لا حول و لا قوة إلا به