247 - ـ فصل : من خالط أوذي .
من رزقه الله تعالى العلم و النظر في سير السلف رأى أن هذا العلم ظلمة و جمهور العالم على غير الجادة و المخالطة لهم تضر و لا تنفع .
فالعجب لمن يترخص في المخالطة و هو يعلم أن الطبع لص يسرق من المخالطة .
و إنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع و الأعلى في العلم و للعمل ليستفاد منه .
فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي إلا أن يكون عاميا يقبل من معمله فينبغي أن يخالط بالإحتراز .
و في هذا الزمان إن وقعت المخالطة للعوام فهم ظلمة مستحكمة فإذا ابتلى العالم بمخالطتهم فليشمر ثياب الحذر و لتكن مجالسته إياهم للتذاكرة و التأديب فحسب .
و إن وقعت المخالطة للعلماء فأكثرهم على غير الجادة مقصودهم صورة العلم لا العمل به فلا تكاد ترى من تذاكره أمر الآخرة إنما شغلهم الغيبة و قصد الغلبة و إجتلاب الدنيا .
ثم فيهم من الحسد للنظراء ما لا يوصف و إن وقعت المخالطة للأمراء فذاك تعرض لفساد الدين .
لأنه إن تولى لهم ولاية دنيوية فالظلم من ضروراتها لغلبة العادة عليهم و الإعراض عن الشرع .
و إن كانت ولاية دينية كالقضاء فإنهم يأمرونه بأشياء لا يكاد يمكنه المراجعة فيها و لو راجع لم يقبلوا .
و أكثر القوم يخاف على منصبه فيفعل ما أمر به و إن لم يجبر .
و ربما رأيت في هذا الزمان أقواما يبذلون المال ليكونوا قضاة أو شهودا و مقصودهم الرفعة .
ثم أكثر الشهود يشهد على من لا يعرفه و يقول إنه معروف و يدري أنه كذاب و إنما عرف لأجل حبة يعطاها .
و كم قد وقعت شهادة على غير المشهود عليه و على مكره .
و إن وقعت المخالطة للمتزهدين فأكثرهم على غير الجادة و على خلاف العلم قد جعلوا لأنفسهم نواميس فلا يتنسمون و لا يخرجون إلى سوق و يظهرون التخشع الزائد و كله نفاق .
و فيهم من يلبس الصوف تحت ثيابه و ربما لوح بكمه ليرى و قد حكي عن طاهر بن الحسين أنه قال لبعض المتزهدين : مد كم قدمت العراق ؟ قال دخلتها منذ عشرين سنة و أنا منذ ثلاثين سنة صائم .
قال : سألناك مسألة فأجبت : عن اثنتين .
و بيت الصوفية أربطة فهي خوارج على المساجد وهي دكاكين كريهة يقعد فيها الكسالى عن الكسب مع القدرة عليه و يتعرضون بالقعود للصدقات و لأحوال الظلمة و قد أراحوا أنفسهم من إعادة العلم .
و أكثرهم لا يصلي نافلة و لا يقوم الليل بل يهمهم المأكول و المشروب و الرقص .
و قد اتخذوا سننا تخالف الشريعة فهم يلبسون المرقع لا من فقر و هذا قبيح لأنه ليس عندهم من أمارات الزهد سوى الملبس الدون فثيابهم تصيح نحن الزهاد و باقي أفعالهم المستورة تفضحهم إذا اطلع عليها .
فالمطبخ دائر و الحمام و الحلوى كثيرة و الطيب و الدعة و الكبر حاصل بذلك الزي .
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم لمالك بن فضيلة و قد رآه أشعت الهيئة [ أما لك مال ] ؟ قال : بلى من كل المال آتاني الله D ! قال : [ فإن الله D إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن ترى عليه ] .
و من أخلافهم تنفير الناس عن العلم يزعمون ألا حاجة إلى الوسائط و إنما هو قلب و رب .
و لهم من الأقوال و الأفعال المنكرات ما قد ذكرته في تلبيس إبليس .
آه لو كان للزمان عمر لاحتاج كل يوم إلى مائة درة لا بل كان يستعمل السيف في هؤلاء الخوارج .
و هم داخل البلد لا قدرة للعلماء عليهم إذ قولهم فيهم لا يقبل .
فمن رزقه الله سبحانه النظر في سير السلف و وفقه للإقتداء بهم آثر أن يعتزل عن أكثر الخلق و لا يخالطهم فإنه من خالط أوذي .
و من دارى يسلم من المداهنة فالنصح اليوم مردود