267 - ـ فصل : الله لا يقبل إلا الطيب .
رأيت بعض المتقدمين سئل عمن يكتسب حلالا و حراما من السلاطين و الأمراء ثم يبنى المساجد و الأربطة : هل له فيها ثواب ؟ فأقتى بما يوجب طيب قلب المنفق و أن له في أنفاق ما لا يملكه نوع سمسرة لأنه لا يعرف أعيان المغصوبين فيردها .
فقلت : واعجبا ! من المتصدين للفتوى الذين لا يعرفون أصول الشريعة .
ينبغي أن ينظر في حال المنفق أولا فإن كان سلطانا فما يخرج من بيت المال قد عرفت وجوه مصارفه فكيف يمنع مستحقه و يشغله بما لا يفيد من بناء مدرسة و رباط .
و إن كان المنفق من الأمراء و نواب السلاطين فإنه يجب أن يرد ما يجب رده إلى بيت المال و ليس له فيه إلا ما فرض من إيجاب يليق به .
فإن تصرف في غير ذلك كان مصروفا فيما ليس له و لو أذن له كان الإذن جائزا .
و إن كان قد أقطع مالا يقاوم عمله كان ما يأخذه فاضلا من أموال المسلمين لا حق له فيه و على من أطلقه في ذلك إثم أيضا .
هذا و إذا كان حرما أو غصبا فكل تصرف فيه حرام و الواجب رده على من أخذ منه له على ورثتهم .
فإن لم يعرف طريق الرد كان في بيت مال المسلمين يصرف في مصالحهم أو يصرف في الصدقة و لم يحظ آخذه بغير الإثم .
[ أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا قال : أخبرنا محمد بن علي الزجاجي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الأسدي قال : أخبرنا علي بن الحسن قال : حدثنا أبو داوود قال : حدثنا محمد بن عون الطائي قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا الأوزعي قال : حدثني موسى بن سليمان قال : سمعت القاسم بن مخيمرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من اكتسب مالا من مأثم فوصل رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك جميعا فقذف بهفي جهنم ] .
فأما إذا كان الباني تاجرا مكتسبا للحلال فبنى مسجدا أو وقف و قفا للمتفقهة فهذا مما يثاب عليه .
و يبعد من يكتسب الحلال حتى يفضل عنه هذا المقدار أو يخرج الزكاة مستقصاة ثم يطيب قلبه بمثل هذا البناء و النفقة .
إذ مثل هذا البنيان لا يجوز أن يكون من زكاة .
و أين سلامة النية و خلوص المقصد .
و إن بناء المدارس اليوم مخاطرة إذ قد انعكف أكثر المتفقهة على علم الجدل و أرعضوا عن علوم الشريعة و تركوا التردد إلى المساجد و قنعوا بالمدارس و الألقاب .
و أما بناء الأربطة فليس بشيء أصلا لآن جمهور المتصوفة جلوس على بساط الجهل و الكسل ثم يدعي مدعيهم المحبة و القرب و يكره التشاغل بالعلم و قد تركوه سيرة سري و عادات الجنيد و اقتنعوا بأداء الفرائض و رضوا بالمرقعات .
فلا تحسن إعانتهم على بطالتهم و راحتهم و لا ثواب في ذلك