269 - ـ فصل : سيرة السلف الصالح .
قدم علينا بعض الفقهاء من بلاد الأعاجم و كان قاضيا ببلده فرأيت على دابته الذهب و معه أنوار الفضة و أشياء كثيرة من المحرمات .
فقلت : أي شيء أفاد هذا العلم ؟ بل و الله قد كثرت عليه الحجج .
و أكبر الأسباب قلة علم هؤلاء بسيرة السلف و ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم إنهم يجهلون الجملة ويتشاغلون بعلم الخلاف و يقصدون التقدم بقشور المعرفة و ليس يعنيهم سماع حديث و لا نظر في سير السلف .
و يخالطون السلاطين فيحتاجون إلى التزيي بزيهم و ربما خطر لهم أن هذا قريب و إن لم يخطر لهم فالهوى غالب بلا صاد .
و ربما خطر لهم أن : هذا يحتمل و يغفر في جانب تشاغلنا بالعلم ثم يرون العلماء يكرمونهم لنيل شيء من دنياهم و لا ينكرون عليهم .
و لقد رأيت من الذين ينتسبون إلى العلم من يستصحب المردان و يشتري المماليك و ما كان يفعل هذا إلا من قد يئس من الآخرة .
و رأيت من قد بلغ الثمانين من العلماء و هو على هذه الحالة .
فالله الله من يريد حفظ دينه و يوقن بالآخرة إياك و التأويلات الفاسدة الأهواء الغالبة فإنك أن ترخصت بالدخول في بعضها جرك الأمر إلى الباقي و لم تقدر على الخروج لموضع إلف الهوى .
فإقبل نصحي و اقنع بالكسرة و ابعد عن أرباب الدنيا فإذا .
ضج الهوى فدعه لهذا .
وربما قال لك : فالأمر الفلاني قريب فلا تفعل فإنه لو كان قريبا يدعو إلى غيره و يصعب التلافي .
فالصبر الصبر على شظف العيس و البعد عن أرباب الهوى فما يتمدين إلا بذلك .
و متى وقع الترخص حمل إلى غيره كالشاطئ إلى اللجة و إنما هو طعام دون طعام و لباس دون لباس و وجه أصبح من وجه و إنما هي أيام يسيرة