270 - ـ فصل : سلم لما لا تعلم .
من تفكر في عظمة الله D طاش عقله لأنه يحتاج أن يثبت موجودا .
لا أول لوجوده هذا شيء لا يعرفه والحس و إنما يقربه العقل ضرورة .
و هو متحير بعد الإقرار ثم يرى من أفعاله ما يدل على و جوده ثم تجري في أقداره أمور لولا ثبوت الدليل على وجوده لأوجبت الجحد .
فإنه يفرق البحر لبني إسرائيل و ذلك شيء لا يقدر عليه سوى الخالق و يصير العصا حية ثم يعيدها تلقف ما صنعوا ولا يزيد فيها شيء .
فهل بعد هذا بيان ؟ .
فإذا آمنت السحرة تركهم مع فرعون يصلبهم و لا يمنع و الأنبياء يبتلون بالجوع و القتل و زكريا ينشر و يحيى تقتله زانية و نبينا صلى الله عليه و سلم يقول كل عام : من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ .
فيكاد الجاهل بوجود الخالق يقول : لو كان موجودا لنصر أولياءه .
فينبغي للعاقل الذي قد ثبت عنده وجوده بالأدلة الظاهرة الجلية ألا يمكن عقله من الإعتراض عليه في أفعاله لا يطلب لها علة .
إذ قد ثبت أنه مالك و حكيم فإذا خفي علينا وجه الحكمة في فعله نسبنا ذلك العجز إلى فهومنا .
و كيف لا وقد عجز موسى عليه السلام أن يعرف حكمة خرق السفينة و قتل الغلام فلما بان له حكمة ذلك الفساد في الظاهرة أقر .
فلو قد بانت الحكمة في أفعال الخالق جحد العقل جحد موسى يوم الخضر .
فمتى رأيت العقل يقول لم فأخرسه بأن تقول له : يا عاجز أنت لا تعرف حقيقة نفسك فما لك و الإعتراض على المالك ؟ .
و ربما قال العقل : أي فائدة في الابتلاء و هو قادر أن يثيب و لا بلاء ؟ .
و أي غرض في تعذيب أهل النار و ليس ثم تشف ؟ .
قل له حكمته فوق مرتبتك فسلم لما لا تعلم فإن أول من إعترض بعقله إبليس رأى فضل النار على الطين فأعرض عن السجود .
و قد رأينا خلقا كثيرا و سمعنا عنهم أنهم يقدحون في الحكمة لأنهم يحكمون العقول على مقتضاها و ينسون أن حكمة لخالق وراء العقول .
فإياك أن تفسح لعقلك في تعليل أو أن تطلب له جواب إعتراض و قل له : سلم تسلم فإنك لا تدري غور البحر إلا و قد أدركك الغرق قبل ذلك .
هذا أصل عظيم متى فات الآدمي أخرجه الاعتراض إلى الكفر