287 - ـ فصل : النفس تطلب مالا تقدر عليه .
رأيت المعافى لا يعرف قدر العافية إلا في المرض كما لا يعرف شكر الإطلاق إلا في الحبس .
و تأملت على الآدمي حاله عجيبة و هو أن تكون معه إمرأة لا بأس بها إلا أن قلبه لا يتعلق بمحبتها تعلقا يلتذ به .
و لذلك سببان : أحدهما : أن تكون غير غاية في الحسن و الثاني : أن كل مملوك مكروه و النفس تطلب ما لا تقدر عليه .
فتراه يضح و يشتهي شيئا يحبه أو امرأة يعشقها و لا يدري أنه إنما يطلب قيدا وثيقا يمنع القلب من التصرف في أمور الآخرة أو في أي علم أو عمل و يخبطه في تصريف الدنيا فيبقى ذلك العاشق أسير المعشوق همه كله معه .
فالعجب لمطلق يؤثر القيد و مستريح يؤثر التعب .
فإن كانت تلك المرأة تحتاج أن تحفظ فالويل له لا قرار و لا سكون .
و إن كانت من المتبرجات اللواتي لا يؤمن فسادهن فذاك هلاكه بمرة .
فلا هو إن نام يلتذ بنومه ولا إن خرج من الدار يأمن من محنه .
و إن كانت تريد نفقة واسعة و ليس له فكم يدخل مدخل سوء لأجلها .
و إن كانت تؤثر الجماع و قد علت سنة فذاك الهلاك العظيم .
و إن كانت تبغضه فما بقيت من أسباب تلفه بقية فيكون هذا ساعيا في تلف نفسه كما قال القائل : .
( نحب القدود و نهوى الحدود ... و نعلم أنا نحب المنونا ) .
و هذا على الحقيقة كعابد صنم .
فاليتق الله من عنده إمرأة لا بأس بها و ليعرض عن حديث النفس و مناها فما له منتهى .
و لو حصل له غرضه كما يريد وقع الملل و طلب ثالثه .
ثم يقع الملل و يطلب رابعة و ما لهذا آخر .
إنما يفيده ذلك في العاجلة تعلق قلبه و أسر لبه فيبقى كالمبهوت .
فكره كله في تحصيل ما يريد محبوبه فإن جرت فرقة أو آفة فتلك الحسرات الدائمة إن يبقى أو التلف عاجلا .
و أين المستحسن المصون الدين القنوع المحب لمن يحبه هذا أقل من الكبريت الأحمر .
فلينظر في تحصيل ما يجمع معظم الهم و لا يلتفت إلى سواد الهوى و غاية المنى يسلم