288 - ـ فصل : إنما يخشى الله من عباده العلماء .
إذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملا و إنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملا أو يعجب به .
و ذلك بأشياء : منها أنه وفق لذلك العمل { حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم } .
و منها أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها .
و منها : أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم إحتقر كل عمل و تعبد .
هذا إذا سلم من شائبه و خلص من غفلة فأما و الغفلاة تحيط به فينبغي أن يغلب الحذر من رده و يخاف العتاب على التقصير فيه فيشتغل عن النظر إليه .
و تأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك فالملائكة الذي يسبحون الليل و النهار لا يفترون قالوا ما عبدناك حق عبادتك .
و الخليل عليه السلام يقول : { و الذي أطمع أن يغفر لي } و ما أدل بتصبره على النار و تسليمه الولد إلى الذبح و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ ما منكم من أحد ينجيه عمله .
قالوا : و لا أنت ؟ قال : و لا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ] .
و أبو بكر Bه يقول : [ و هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ] .
و عمر Bه يقول : [ لو أن لي طلاع الأرض لإفتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر ] .
و ابن مسعود يقول : [ ليتني إذا مت لا أبعث ] .
و عائشة Bها تقول : [ ليتني كنت نسيا منسيا ] .
و هذا شأن جميع العقلاء فB الجميع .
و قد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدنوا بها فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة و أخرج له كل ليلة رمانة و سأل الله تعالى أن يميته في سجوده فإذا حشر قيل له أدخل الجنة برحمتي قال : بل بعملي فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي فيقول : يارب برحمتك .
و كذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحي من ذكره و هو أنه عزم على الزنا ثم خاف العقوبة فتركه .
فليت شعري بماذا يدل من خاف أن يعاقب على شيء فتركه تخوف العقوبة .
إنما لو كان مباحا فتركه كان فيه ما فيه و لو فهم لشغله خجل الهمة عن الإدلال كما قال يوسف عليه السلام : { و ما أبرئ نفسي } .
و الآخر ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقى أبويه اللبن و في هذا البر أذى للأطفال و لكن الفهم عزيز .
و كأنهم لما أحسنوا قال لسان الحال كان أعطوهم ما طلبوا فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا .
و لولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه و لكان كل كامل خائفا محتقرا لعلمه حذرا من التقصير في شكر ما أنعم عليه و فهم هذا المشروح ينكس رأس الكبر و يوجب مساكنة الذل .
فتأمله فإنه أصل عظيم